تجليات في زمان الوصل
الوصف: في مثل هذه الأيام قبل 520 عاما، بكى أبو عبد الله الصغير كالنساء ملكاً لم يحافظ عليه كالرجال.. وبكت الأمة حضا
في مثل هذه الأيام قبل 520 عاما، بكى أبو عبد الله الصغير كالنساء ملكاً لم يحافظ عليه كالرجال.. وبكت الأمة حضارة ذهبت بدداً.. كم هو موجع أن تصبح على ذكريات سقوط ما، فكيف إذا كان قلبك هو الذي هَوى في محيط سحيق هناك في شمال العالم ..!
تسقط حواضرنا البيضاء حين تنشغل الأمة بالعبث ثم تبكي بينما العدو يعمل ثم يضحك وهو يتسلم مفاتحاً خبأناها زمنا طويلا في تلافيف القلوب ..
كل مواجعنا اليوم هي تبع لتلك الانكسارات المريرة.. لخذلان الرجال .. اليوم يتململ الفاتحون طارق بن زياد وعقبة بن نافع وموسى ابن نصير في قبورهم على دمهم الذي نهدره في كل ذكرى ..
المصيبة الأعظم أننا لازلنا لا نفعل شيئا سوى البكاء والصراخ مع الرندي: لكل شيء إذا ما تم نقصان، وكأننا لم نصنع النقصان بأيدينا ..
كلنا يصحو ليقول بأسى..
فجائع الدهر أنواع منوعة وللزمان مسرات وأحزان
.. ثم نعود للغطيط العميق من جديد ..
أصابتنا الجبرية، فما عاد لنا من فعل سوى الوقوف على الأطلال ننتحب على زمان الوصل في الأندلس.. أصبحنا لانفعل شيئا سوى مناداة الغيث أن يجود على وصلنا الذي لم يدم، قصوراً منا وتفريطاً..
ولم ندرك أن النواح تذهب به الريح بعيداً ولا تسمعه سوى أسراب الحمام قد نكتب به قصيدة جميلة لكنه لن يعيد زمان الوصل أبداً..
ومن ذات الداء الذي تألمت منه غرناطة منذ قرون تتألم اليوم بغداد ودمشق وغيرها..
يا الله في فمي مرارات كل الفاتحين البررة وفي دمي تجهش مدن الشموس .. لا تزال قرطبة تحمل شذانا..وفي حواري غرناطة وأزقة طليطلة بسمات أناملنا لم تزل على جدران بلنسية حكايات عشقنا وقصص وجدنا ..
في شوارع قرطبة، كان الرجل العادي يكتب ويقرأ ويقول الشعر، بينما كان ملوك أوربا لا يعرفون كتابة أسمائهم كما يقول جوستاف لوبون ..
بروحي تلك الأرض ما أطيب الربي وما أحسن المصطاف والمتربعا.. وأذكر أيام الحمى ثم انثني على كبدي من خشية أن تصدعا..
ولكني على ثقة أن عشيات الحمى سترجع، فمن ينظر في عيون الأسبان يرانا نرقد فوق الأهداب وتسري روحنا في غمامهم والنجوم ..
السقوط وأفول الفجر المهيب للأمم هي الحتمية الأكيدة والقانون الذي لا يتخلف للترف والفساد والنزاع.