الأمة والأزمة

الوصف: أمتنا تعيش أزمة في نواح كثيرة من حياتها، فعندها أزمة في السماع للحق والإنصات لصوت الرشد ومنطق العقل، لتعم


صورة القسم 1

أمتنا تعيش أزمة في نواح كثيرة من حياتها، فعندها أزمة في السماع للحق والإنصات لصوت الرشد ومنطق العقل، لتعمل على بصيرة وتسير على نور، وعندها أزمة تفكير فهي لا تفكر إلا في الطعام والشراب واللباس والسكن، بينما عطّلت فكرها في البناء والعلم والإبداع فسبقتها الأمم، وتفوقت عليها الشعوب، وعندها أزمة في الخلق فجيلها -إلا من رحم الله- جيل ضعيف التكوين، هزيل الإرادة، قتل طموحه بالتفاهة، وألغى ضميره بالهواية، وضيّع وقته باللهو، والمخرج من هذا تربية صادقة، ورعاية أمينة من العلماء والدعاة والمربين.

وعند الأمة أزمة في تحديد الهدف؛ فلديها تشتت في تحديد الأهداف، واضطراب في معرفة المقاصد، حتى لو أنك قمت بعملية استفتاء وكتابة استبيان لوجدت شريحة هائلة من الأمة لم تحدد هدفها في الحياة إلى الآن، فهي تعيش خارج الزمن، وفي حاشية التاريخ، ومستودع الأيام.

وعندنا أزمة في المعرفة فليس هناك قراءة واعية ولا مطالعة جادة في دواوين المعارف ومصادر العلم ومراجع التراث الإنساني النافع، نعم عندنا قراءة لزبد الثقافة، ونفايات المقالات الهزيلة، وحثالة الأقلام المأجورة، فأين الانكباب على التحصيل الجاد؟ وأين الصبر على الحفظ والفهم لنخرّج عباقرة وننتج للعالم نابغين؟

لقد تفوق الغرب في عالم الدنيا على الشرق بأدمغة سهرت تبحث وتنقب وتخترع، فكانت هذه الصناعة والإبداع والتطور، وركدت عندنا عقول فأعرضت عن الشريعة الطاهرة، وملّت من السير في طريق المجد، فبقيت في آخر القافلة، وعند هذه الأمة أزمة اسمها الأنانية فلا مساواة إلا عند القليل، والكثير مهتم بنفسه وأهله وأطفاله وبيته، بينما آلاف الأطفال يتامى، وآلاف الصبايا سبايا، وآلاف الأمهات ثكالى، وآلاف المسلمين مرضى، وآلاف الفقراء جوعى، لا غذاء، لا كساء، لا دواء، لا ماء، فأين الرحمة في أمة الرحمة؟ ويل لمن نزع الله الرحمة من قلبه، ومن لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء.

إذا جار الوزير وكاتباه وقاضي الأرض أجحف في القضاءِ
فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماءِ!