التعليم الالكتروني ثورة رقمية معاصرة
الوصف: مما لا شك فيه أن التعليم الالكتروني عبر الحاسوب والإنترنت والوسائط المتعددة .. فتح آفاقا ج
مما لا شك فيه أن التعليم الالكتروني عبر الحاسوب والإنترنت والوسائط المتعددة .. فتح آفاقا جديدة للعملية التعليمية ووفر عناصر الجذب والتشويق لدى الطلبة بعدما كان تحصيل العلوم نوعا من المحن التي تحتاج لطاقة هائلة من الصبر والمثابرة، ويقول المختصون أيضا أن هذا النوع من التعليم مكن العمل في مشاريع تعاونية بين مدارس وجامعات مختلفة، ويمكن للطلبة أن يطوروا معرفتهم بمواضيع تهمهم من خلال الاتصال بزملاء وخبراء لهم نفس الاهتمامات.
وتقع على الطلبة مسؤولية البحث عن المعلومات وصياغتها مما ينمي مهارات التفكير والبحث لديهم. كما أن الاتصال عبر الإنترنت ينمي مهارات اللغات الأجنبية حيث تزود الإنترنت الطلبة والمعلمين على حد سواء بالنصوص المكتوبة باللغات المختلفة في شتى المواضيع ومختلف المستويات.
بل لقد أتاح التعليم الالكتروني لكل طالب علم فرصة الإدلاء برأيه في أي وقت ودون حرج، خلافاً لقاعات الدروس التقليدية التي تحرمه أحيانا من هذا الميزة، إما لسبب سوء تنظيم المقاعد، أو ضعف صوت الطالب نفسه، أو الخجل .. أو غيرها من الأسباب، لكن هذا النوع من التعليم التقني يتيح الفرصة كاملة للطالب لأنه بإمكانه إرسال رأيه وصوته من خلال أدوات الاتصال الرقمية من بريد إلكتروني ومجالس النقاش وغرف الحوار .. هذه الميزة تكون أكثر فائدة بالأخص للطلاب الذين ينتابهم الشعور بالخوف والقلق، حيث يتمتعون بجرأة أكبر في التعبير عن أفكارهم والبحث عن الحقائق أكثر مما لو كانوا في قاعات الدرس التقليدية.
وأخيرا لا ننسى سهولة التواصل مع المعلمين، وتوفر المناهج على مدار الساعة، وهذا يناسب الطلبة المزاجيين أو ذوي الظروف الخاصة الذين لا يتوافق معهم الدوام المنتظم في قاعات الدراسة، فضلا عن تنوع أساليب التعليم من مقروء ومسموع ومرئي.
لقد بدأت كافة المراكز العلمية المرموقة في انتهاج سياسة التعليم الالكتروني على اختلاف فيما بينها حول حجم المشاركة والنهل من معينه، بل هناك جامعات لا تقدم خدماتها ومناهجها سوى عن طريق الإنترنت فقط مثل جامعة إنجل وود ( Englewood) وكولو (Colo) وكابيلا.
تقنية المحاكاة
يعاني دارسي المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء والجغرافيا والفلك .. من صعوبة توفير المعدات والتجهيزات لإجراء التجارب والاختبارات المعملية، خاصة وأن الجانب التطبيقي والتدريب العملي مهم في مثل هذه الدراسات، ولذلك نجد كثيرا من المواقع الالكترونية التعليمية توفر تقنية"المحاكاة التفاعلية" لبعض التجارب العلمية ومعالم الكون، مثل موقع molecular workbench الذي يوفر المئات من الدروس المجانية التي تستخدم تقنية المحاكاة في مجال الكيمياء والبيولوجيا وحتى الفيزياء.
وهناك تجربة فريدة يقدمها موقع جوجل من خلال "جوجل سكاي"، حيث يمكن شرح وتقديم المفاهيم الأساسية لعلم الفلك عبر نسخة افتراضية من الكون .. سيتعرف الطلاب على الكواكب والنجوم وعناصر المجموعة الشمسية. كما يتيح لهم جوجل سكاي أيضا محاكاة مكان تواجدهم على الأرض لمعاينة شكل النجوم في السماء في الموقع الذي تم اختياره .
كما أن هناك أيضا مشروع (Oppia) لجوجل يهدف لتمكين أي شخص من إنشاء أنشطة تفاعلية على الإنترنت، حيث يمكن للآخرين التعلم منها. يمكن اعتبار (Oppia) نظام التغذية الراجعة الذكي حيث يعمل على تحسين التفاعل في عملية التعلم عن طريق نمذجة مدرس يطرح أسئلة على المتعلم، ثم استنادا إلى كيفية إجابة المتعلم على تلك الأسئلة، يتم تحديد السؤال التالي، والتغذية الراجعة، وغير ذلك من وسائل التعليم، وكل ذلك بشكل آلي.
إن الدافع وراء نظام (Oppia) -كما أوضحت جوجل في إعلانها- ينبع من حقيقة أنه في الوقت الذي تتم فيه مشاركة كمية متزايدة من المحتوى التعليمي عبر الفيديو والرسائل القصيرة، فإن معظمه يكون ثابتا وغير متزامن ويتم إهماله بسرعة. وبعبارة أخرى، فإن التحويل الرقمي لمحاضرة أو عرض تقديمي لا يكفي؛ حيث لا تزال هناك الكثير من الآفاق المفتوحة فيما يخص خلق فرص للتفاعل والحوار وردود الفعل. ففي العملية التعليمة تعتبر الردود مهمة، والتفاعل وسيلة لإتقان وترسيخ المعلومة وهضمها بشكل احترافي.
معوقات وعقبات
مما لا شك فيه أن التعليم الالكتروني ليس واحة غناء لا تكتنفها المعوقات والتحديات، بل تتجدد له كل فترة الكثير من التحديات التي تنبثق تارة من الثغرات التقنية وتارة أخرى من شريحة المتعاملين مع هذا النمط التعليمي.
فلا جدال في أن شريحة كبيرة من الطلاب تجد صعوبة في التأقلم مع هذا الأسلوب التعليمي الحديث، بل يوجد من المدرسين أنفسهم من يتخذ موقفا سلبيا من هذا النمط التعليمي، وهذا بحكم الإلف والعادة التي ظلت عقودا غارقة في أسلوب التعليم النمطي، مما يخلق وعيا صادما بل ومهاجما أحيانا للتقنيات الحديثة وأساليبها.
ومن أبرز التحديات التي تواجه التعليم الالكتروني ندرة هيئة التدريس الماهرة والمدربة على ممارسة هذا الأسلوب التعليمي العصري، والافتقار للكوادر الماهرة في وضع المناهج، خاصة وأن المنافسة شديدة مما يتطلب أساليب رصينة ومتميزة للمناهج الدراسية لا تخلو من العمق التشويق والجاذبية في آن واحد.
إضافة إلى صغر المساحة المتاحة على الإنترنت لبرامج ومقررات هذا التعليم، فهي مشكلة المشاكل التي تحد من انتشاره وتعميم أسلوبه.
أما مشاكل التقنية الرقمية فليست بمنأى عن التعليم الالكتروني من قرصنة للمواقع التعليمية واختراقات الهاكرز، وتكاليف برامج الحماية والخصوصية، والتطور السريع في المعايير القياسية العالمية مما يتطلب تعديلات وتحديثات كثيرة ومستمرة في المقررات الإلكترونية.
على الجانب الآخر تقرير حديث صادر عن الرّابطة البريطانيّة للمعلّمين يبيّن أنّ استخدام الأطفال للأجهزة اللمسيّة باستمرار يؤثّر بشكل سلبيّ على مهارتهم وقدرتهم على التّحكّم في أصابعهم ومسك القلم للكتابة، أو الرّسم على الورق. وعزَتْ الدّراسة إلى أنّ السّبب في ذلك هو إدمان الأطفال على النّقر بالأصابع على شاشات الهواتف الذّكيّة أو الأجهزة اللوحيّة.
وأوضحت الرّابطة أنّ الأطفال في عمر الثّلاث أو أربع سنوات يعرفون جيّدا طريقة استخدام الأجهزة الذّكيّة الرّاهنة. وفي المقابل لا يميلون إلى اللعب بألعابهم المادّيّة التّقليديّة، بل لا يقدرون -مثلا- على اللعب بالمكعّبات والبناء بها.
وأوضحت الرّابطة أنّ هناك مشكلة أخرى لا تقلّ أهمّيّة عمّا سلف ذكره والمتمثّلة في تدهور ذاكرة بعض الأطفال الأكبر سنّا بسبب قضاء أوقات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر أو ألعاب الفيديو والأجهزة اللمسيّة. ومردّ ذلك راجع إلى أنّ الأطفال يفقدون القدرة على إنهاء الاختبارات العادية بواسطة القلم والورقة.
وعلى الصعيد التربوي تشكل الانعزالية الاجتماعية في التعليم الالكتروني عقبة على دوام الطلاب في المدارس وحضورهم الجماعي، وهذا يعد أمراً هاما يغرس قيما تربوية بصورة غير مباشرة ويعزز أهمية العمل المشترك كفريق واحد.