لا تكن نصف ونصف

الوصف: أهلك العالم أربعة: نصف حاكم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب، فنصف حاكم يفسد البلدان، ونصف عا


صورة القسم 1

أهلك العالم أربعة: نصف حاكم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب، فنصف حاكم يفسد البلدان، ونصف عالم يفسد الأديان، ونصف نحوي يفسد اللسان، ونصف طبيب يفسد الأبدان، لأن نصف حاكم لا يملك الأهلية لإدارة الدولة كمن عطل الشريعة وتلاعب بالقانون وألغى الدستور وأصاب البلد كله بالشلل، ونصف عالم يفتي بالجهل أحياناً وبالظن أحياناً فهو شاك في معلومته، ليس عنده جوابٌ كاف ولا دواء شاف لكل مسألة، فليس بعالم محقق يوثق بعلمه، وليس بجاهل حتى يرتاح منه، ونصف نحوي يفسد اللغة فهو فصيح في كلمة، عامي في أخرى، لا هو بالذي تكلم بالبيان الناصع ولا هو أراح وارتاح فتكلم بالعامية البسيطة، ونصف طبيب فتح عيادته لإمراض الناس وقتلهم بدوائه، وصرف السم في علاجه، فهو الذي أهلك الأرواح وفتك بالأجسام.

والأمة تحتاج إلى أهل البراعة في كل تخصص وهم الراسخون في فنونهم، فالحاكم القوي العادل رحمة من الله على الأمة وبركة على البلاد، فبقوته وعدله تنفذ الأحكام وتقام الحدود وتؤمن السبل ويقسم المال بالسوية ويحمي الأوطان ويدافع عن الكرامة ويبني مجد الوطن، والعالم الراسخ المحقق حجة في فتواه وقدوة في عمله وإمام في إصلاحه، فهو مربي جيل وصاحب منهج، يحمل مشروع الإصلاح وروح التجديد، والنحوي المتمكن من فنه يقيم اللغة ويحافظ على لسان الأمة ويرعى ثقافتها ويصون هويتها، والطبيب الماهر الحاذق يشفي الله به المرضى ويداوي به أهل السقم وينقذ به الأرواح.

ومشكلة الكثير في بلاد الإسلام من نصف حاكم ونصف عالم ونصف نحوي ونصف طبيب، ولهذا تجد العوج في باب السياسة والخلل في المنهج العلمي والاضطراب في اللغة والضعف في الطب، وإلا كيف تفسر أن أمة المليار ونصف المليار لم تأخذ مكانها الطبيعي، ولا منزلتها اللائقة بها من السيادة والريادة، وهي أكثر الأمم سكاناً، وأغزرها معرفة، وأعمقها تاريخاً، وأكبرها ثروة، وأوسعها مساحة، فأين ذهب السكان والمعرفة والتاريخ والثروة والمساحة.
إن الذي أذهب مقدرات هذه الأمة وجعلها في الصفوف الخلفية هم بعض الحكام والعلماء والنحاة والأطباء، وهم الذين يحملون أنصاف الأهلية فعطلوا مشروع النهضة، وطمسوا روح التجديد، ودمروا الثروة، وأوقفوا مسيرة التنمية، فعاشت أوطانهم في إعاقة عقلية ونفسية وجسمية، فبعض الدول الإسلامية لها مائتا سنة وهي (تفحط) مكانها، وتراوح محلها، وجاءت بعدها اليابان وألمانيا فسبقتها إلى الأمام ثلاثمائة سنة، واكتفت بعض الدول الإسلامية بالأهازيج الشعبية والأغاني الوطنية، ورفع أقواس النصر وصور الزعيم الملهم القائد الضرورة على المباني والجسور والكباري والمدارس والجامعات والمقاصف والمطاعم والمقاهي والحانات.

والواجب على الأمة أن توقف نصف الحاكم ونصف العالم ونصف النحوي ونصف الطبيب عند حده، ولا يسمح لهم بممارسة تحويل الأمة والأوطان إلى حقول تجارب من الفشل والإحباط والضياع والإهمال، أكثر البلدان فقراً ومرضاً وجهلاً وتخلفاً هي الدول الإسلامية، لأن الكثير منها نحى الشريعة جانباً وأوقف عجلة التقدم، فلا حفظوا الأديان ولا صانوا الإيمان ولا طوروا الأوطان ولا أصلحوا البلدان، بل هم أهل هذيان وغثيان وخسران وخذلان، إن علينا أن نعيد فن التخصص في حياتنا فمن توجه لباب فعليه أن يحكمه وأن يجيد فيه وإلا فليتركه لغيره، الحاكم إذا فسدت أهليته لا يصلح أن يقود الأمة والعالم إذا اختل منهجه وضعفت معرفته يلزم بيته، وصاحب اللغة إذا لم يتقن فنه ويحكم علمه يمنع من مزاولة التصنيف والتلفيق، والطبيب الهزيل الهش الغبي يحجر عليه ويمنع من العبث بالأجسام واللعب بحياة الناس.