فاقد الشيئ علْميا لا يعطيه عمَليا
الوصف: تتخلّف بعض الأعمال، وتشح المبادرات من جراء الجهل وخفاء الفائدة، إذ كيف ينطلق المرء بلا در
تتخلّف بعض الأعمال، وتشح المبادرات من جراء الجهل وخفاء الفائدة، إذ كيف ينطلق المرء بلا دراية؟ أو يحرث أرضاً لا يعرفها؟!
• ومن ثم يتقاصر عمل الإنسان بسبب فقدان العلم والوعي ولذلك قالوا: فاقد الشيء لا يعطيه.
• فأعط من العلم والمعرفة جَمْعا، لتعطَ من الخير وحسن العمل نفْعا، واتعب على نفسك لتلقَ بعد ذلك ثمارها، وتجنِ حصادها.
• وفِي هذا دليل أن العلم سائق للخير والإبداع، والجهل مانع من المواصلة والاستيعاب ، ولو لم يكن من شرور الجهل إلا هذا لكفى ، قال العلامة ابن القيم رحمه الله (الجهل شجرة تنبت فيها كل الشرور).
• وكم من مشاريع مجتمعية تفرقت بسبب الفقدان المعرفي لمنسوبيها، فلا تثرّب على من لا يتفاعل ويحمل هم القضايا والشؤون المهمة، إذا قلت الخبرة، وضعف الاستعداد المعرفي والعقلي.
• وللفائدة: العلم يرسخ المعلومة، ويثبت العقيدة، ويحمل الوجدان على الاعتقاد والعمل، ويشرح النفس للمشاركة، وسوى ذاك مصبوغ بالتقصير والجهل، وكثرة الاستفسارات.
• فهو عاجز فكريا وعلميا واجتماعياً وحواريا، وفِي حالته يقول العلماء (لا أدري) (الله أعلم)، وحذروا من التطاول والتجاوز، والتوقيع بلا علم ، حتى قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (من ترك لا أدري أُصيبت مَقاتله) .
• وفِي ذلك من الحرج الاجتماعي ما لا يخفى، ونظرات الناس المشفقة لمن تكلم فكشف عن جهله، أو جاء بالعجائب ، وقد قالوا: ( من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب ). فهو بين خيارين إما العجائب، أو اللوذ بالصمت وعدم التفاعل.
• وكيف يتفاعل معك، من لا يؤمن بجدواك ، أو جدوى مشروعك، ولو كانت خدمات مجتمعية راقية، أو مصالح محلية متينة، أو مسائل علمية عميقة ...!ففاقد الشيء لا يعطيه.
• وفاقد التخصص في قضية ما لا يصلح للمشاورة فيها، لانعدام الخبرة والفهم، ولذا قد يشير بالخطأ ومقدمات التعثر.
• ومن ثم العلم المبدئي يمنح القدرة على العمل والمسارعة والإنتاج ، وانعدامه ضعف في العمل وخسارة في الوقت والمشروع المراد تنفيذه.
• وحينما يجتمع مختصون بجهلة، أو غير مختصين، لن يصلوا إلى صيغة نهائية في العقل والاستنتاج والتطبيق ، للتفاوت والفقدان .
• وقد يشعل الفقدان حب الكلام أو التصدر، أو المشاركة ، والتمسك بالرأي، فتقع الواقعة والصاعقة، التي تدمر المشروع والمبادرات من جذورها .
• ومن هذا الباب قال الإمام الشافعي رحمه الله :(ما جادلتُ عالماً إلا وغلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني). والسبب استعسار تفهيمه، ورفضه الآفاق الأخرى، وعدم القابلية للاقتناع .
• ومع صنف الجهال، الناقدون بلا علم، والمتعقبون بلا دراية، إلا محاولة تسجيل موقف ، أو التماس العثرات بلا مسوغات، فهم من فئات فاقدي الشئ ، وقد تتعب كثيرا في إقناعهم بمستواهم ومحتواهم.
• وكل ائتلاف تشاوري بلا تقارب عقلي وعلمي مصيره إلى الفشل والضياع، وعدم الاتفاق، بسبب فقدان أدوات المعرفة الأولى، والتي من شأنها تحسين مجريات الحوار، والخروج بنتيجة مرضية ونافعة للجميع .
• وفِي ظل طغيان المناصب والرتب الإدارية والاجتماعية على الحياة الحديثة صار من الصعب الاتفاق ، وحرص كل فرد على التصدر والتزعم، وتكريس الأنانية،وفِي الحديث الصحيح: (
وإعجاب كل ذي رأي برأيه
) .
• وذلك المُعجَب المبالغ، غالبا لا يبالي بالآخرين، ويتناسى جهله أو تقصيره وعدم درايته، ويحاول الاقتحام والتجاسر في مواطن لا يحسنها، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، وفِي القرآن الحكيم [
فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
] سورة النجم .
• ولو تقيّد كل إنسان بما يحسن ويدري، لأنتج ونفع لأن قيمته وجدواه في ذلك، ومن حِكم الخليفة الراشد علي رضي الله عنه الروائع، بعد الكتاب والسنة:(قيمةُ كل امرئ ما يحسنه). ولأثمر ذلك التأدب والانضباط، واكتفى الناس بالأصول والمعالم.
• ولا تنفك حياتنا من معلقين جهلة، ونقاد مغلقين، لا هم لهم إلا مجرد التعقب والتعليق بلا ثمرة ولا إنتاج، ولو آثروا الصمت لحازوا الحكمة ، واستبدلوا أنفسهم بعاملين ذوي دراية وإتقان واتساع .!
• ويُفترض استدامة التعلم والاطلاع، والمغامرة المعرفية في البحث والتفتيش وعدم الاكتفاء برتبة محرجة، أو شهادة عقيمة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (
إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلّم
). ومن درر العلامة ابن المبارك رحمه الله :(لا يزال الرجل عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل) والله الموفق.