الإنسان في منظور الإسلام
الوصف: يتعامل التفسير الإسلامي مع الإنسان على أنه قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله، مترابطين م
يتعامل التفسير الإسلامي مع الإنسان على أنه قبضة من طين الأرض ونفخة من روح الله، مترابطين متماسكين متفاعلين، يتكون منهما كيان موحد.
[
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ
] هذا هو تكوين الإنسان : قبضة من طين الأرض، ونفخة من روح الله، امتزجا امتزاجا كاملا وترابطا وتفاعل كل منهما مع الآخر فأصبح حصيلتهما ذلك الإنسان الذي نعرفه ونتعامل معه.
إنه ليس قبضة طين خالصة كما كان قبل النفخة العلوية، وليس روحا طليقة من قبضة الطين، إنما هو الآمران معا ،في وحدة مترابطة تخلف في خصائصها اختلافا جذريا، عن قبضة الطين الخالصة، ونفخة الروح الخالصة، وإن كانت تحمل بين الحين والحين المشابهة من هذه وتلك؛ حين تجنح جنوحا شديدا نحو عالم الجسد أو عالم الروح، لكنها حتى في تلك الحالة لا تكون مماثل أبدا لأي من العنصرين منفصلين.
في لحظة الشهوة الجامحة غير المنضبطة يكون أقرب إلى قبضة الطين، لأنه يتعامل بجسده أكثر من أي جانب آخر من جوانبه، ومع ذلك لا يكون أبدا جسدا خالصا كالحيوان لأن فيه قدرا من الوعي والإرادة والاختيار حتى في هذا العمل اللاصق بالطين، مما لا يتوفر للحيوان.
وفي لحظة الرفرفة الشفيفة المشرقة يكون أقرب إلى نفحة الروح، لأنه ينطلق بروحه من إطار الحس المحدود، ومع ذلك لا يكون أبدا روحا خالصة كالملائكة ؛ لأن له جسد لا يستطيع التخلص من وجوده، انظر إلى أعلى لحظة وجود عرفتها البشرية في تاريخ الأرض، لحظة الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم روحا خالصة وهو يصافح جبريل عليه السلام؟ ويتلقى منه الوحي؟ اسمع إلى قول الله تعالى :[ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ].
فقد تحرك العقل وتحرك اللسان، خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفوته حفظ شيء من التنزيل الرباني، فطمأنه الله أنه لن يضيع منه شيء لأنه سبحانه وتعالى هو المتكفل بحفظه وجمعه وقرآنه (أي قراءته وبيانه).
هذا هو الإنسان بعنصريه المكونين له: قبضة الطين ونفخة الروح.
وكل محاولة لتفسيره بواحد من عنصريه دون الآخر هي محاولة مضللة لا تؤدي إلى حقيقة؛ سواء فسر بجانب الطين أو الروح.
والنحل الباطلة والنظريات الخاطئة كلها تجنح دائما إلى تفسير الإنسان – سواء نظريا أو عمليا أو هما معا- بجانب واحد من جوانه، أو بجانب غالب قوي يسحق الجانب الآخر ويكاد يلغيه.
فالماديون يبرزون جانب الجسد والحس، ويهملون جانب الروح ومن ثم أطلقوا العنان للشهوات واللذة والمادة فكانت نتيجة ذلك عمارة مادية خالية من إشراق الروح.
وأما الروحانيون فأبرزوا جانب الروح وأهملوا الجسد ، وقهروه واحتقروه، بل بعضهم مال إلى تعذيبه وسجنه ،من أجل رفعة الروح كما زعموا،كما فعل الرهبان والهندوكيون ، فقعدوا عن عمارة الأرض وضيعوا مهمة الاستخلاف التي أنيطت بالبشر.
أما الإسلام فقد أعطى للإنسان مهمة عظيمة :[
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ
] وكرم الإنسان وعلمه البيان :[
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا
] فالإنسان في الإسلام ليس مهمته الأكل والشرب... فقط مثل بقية الحيوان ولا مهمته الانتاج المادي وحسب ، بل هو خليفة في الأرض إعمارا لها، ونشرا للعدل، وسموا بالروح ، مهمته العبادة بمعناها الشامل من عقيدة صحيحة وأداء للشعائر ، ونشاط في كل مجال حيوي ليستقيم الكون :[
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
]
فلا استقامة للإنسان ما لم يكن هناك تكامل بين الروح والجسد ،فعلى الأجيال الجديدة أن تقبل على النفس وتستكمل فضائلها روحا وجسدا.