من وظائف الأدب

الوصف: كان ولا يزال للأدب دور محوري في حياة الشعوب، فالأدب أحد أعمدة البناء في المجتمعات كلها، فقد عرف الإنسان ا


صورة القسم 1

كان ولا يزال للأدب دور محوري في حياة الشعوب، فالأدب أحد أعمدة البناء في المجتمعات كلها، فقد عرف الإنسان الحداء، والتغني بالأمجاد من غابر زمانه، وكان ذلك مدعاة لشحذ الهمم، وشداً للعزائم للسير في طريق المجد والعمران.
إذن فإن البداهة تشهد أن للأدب وظائف يؤديها، وأنه يسهم ويساعد في تبلور الرؤى، وتثبيت القيم.
ولقد كانت أولى وظائف الأدب الوظيفة الأخلاقيّة، فالأدب حارس الفضيلة، والمنافح عن أخلاق المجتمع، فكم حَدَّث الأدب الأجيال الصاعة عن قيم ومُثُل، وأعطاهم دفعاً للتشبث بمآثر الآباء والأجداد، والسير في طرائق المكارم والسؤدد.

على أن الوظيفة الدائمة للأدب هي تلبية حاجة فطريّة أيّ غير مكتسبة لدى الإنسان.
يقول صاحب كتاب (ماهية الأدب ومهمته): (فمهمة الأدب هي التعبير عن الإنسان وكلِّ حاجاته، وحالاته تعبيراً جميلاً صادقاً؛ من شأنه أن يساعد الإنسان على تفهم الغاية من وجوده، وأن يمهد الطريق إلى غايته".
إذن يقوم الأدب بتحقيق الفائدة، والمتعة، والتعبير عن النفس الإنسانية، ومن ثم التعبيرعن المجتمع.
وبهذا الفهم تكون للأدب غاية سامية، فإن خرج الأدب عن السمو والمكارم، والمُثُل العليا كان مارقاً، ولا يعد حينها أدباً، إنما يصبح معول هدم وتمزيق لأخلاقيات الأمم.

الأدب لا يختص بأمة دون أمة، وإنما لكل أمة آدابها التي تعبر عن ذاتها، ومكوناتها، وأعرافها وقبل ذلك معتقداتها.
وهنا نتكلم قليلاً عن وظيفة الأدب الإسلامي ذلك أن الأمة الإسلامية أول نشأتها كان وسط العرب، وهم أمة أدب عرفوا الكلمة الأدبية الشاعرة الآسرة، وعُرِفوا بشغفهم الشديد بالبلاغة والبيان، وبفن الكلام فقد كانت تأسرهم الكلمة الجميلة، وكانوا ينقادون لها، مع أنهم من أصعب الأمم انقياداً للسلطان كما ذكر ابن خلدون.
وكثيراً ما أشار القرآن الكريم إلى أثر الكلمة البليغة في النفوس وسلطانها عليها، وهو بهذه الإشارات يحدد وظيفة للأدب، قال تعالى { وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً } وطلب موسى عليه السلام من ربه أن يرسل معه أخاه هارون لأنه أفصح منه لساناً.

ولولا خلال سنّها الشعرما درى بغاة الندى من أين تؤتى المكارمُ

ومع ذلك اتخذ الأدب الإسلامي لنفسه وظيفة أخرى تختلف عن وظيفته في المرحلة السابقة للإسلام، فلئن كان قبل الإسلام يساهم الأدب في العصبيات، ويعلي من الأعراق والجنسيات، فإن الأدب الإسلامي ساوى بين بني البشر، ورفع همه للدفاع عن المُثُل العليا التي نادى بها الإسلام، فحض الشعراء الناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على عمل الخير والابتعاد عن الشرور.

ولقد قام الأدب في تاريخ الأمة بوظائف عدة من ذلك:
- الوظيفة التعليمية والتثقيفية عبر مختلف مظاهر الأدب وصوره التعبيرية، فكان ميدان الأدب مكاناً خصباً لرعاية العلوم، وتحبيب طلب العلم للناس.
- الوظيفة الدعوية : باعتبار أن الأدب أحد أهم وسائل الدعوة والذود عنها والساعي إلى نشرها بين الجماعات البشرية، ولا ننسى الدور الريادي للأدب في الفتوحات الإسلامية، وتسجيل البطولات الجهادية، وتخليد الشهداء عبر ذكر مآثرهم وأدوارهم البطولية.
- الوظيفة الإنسانية والحضارية : فكان الادب حاضراً في نقل التجارب الإنسانية، والاحتفاء بها، وتمكيننا من الاطلاع عليها.
- كما كان للأدب وظيفته التاريخية ، وذلك باعتبار أن الأدب مرآة المجتمع و انعكاساته من خلال جميع الأحداث والوقائع التي تمر بالأمة الإسلامية، فلقد حدثنا الأدب عن قيام الممالك الإسلامية، وعن الهزائم التاريخية، وكان الأدباء يستنهضون الأمة للذب عن حياضها، والمحافظة على مكتسباتها، ويبينون لنا أسباب الهزائم ودواعي السقوط.

وعلى العموم كانت وظائف الأدب متسعة وكثيرة فمن ذلك تغذيته العقول، والنفوس، والأرواح، وتنمية المشاعر، وتهذيبها، والسمو بها في فضاء الإنسانية، كما أنه كان دائماً معززاً لملكات التعبير لدى القارئ والسامع.
إذن نحن أمام سلطان الأدب الذي يولد المتعة، واللذة في نفوس المتلقين، من خلال عناصره الفنية المدهشة، وينطوي الأدب على كثير من المعرفة بمختلفة ألوانها كالعلم، والثقافة، والدين، والتاريخ.

إن الأدب أضحى في زماننا أداة وسلاحاً في يد من يملكه؛ ليصل به لما يريد، والأمم تُغيَّر تركيبتها، وتضيع خصوصياتها عن طريق الأدب، بل تفقد الأمة هويتها وأصالتها بالغزو الأدبي، الذي يلبس الحق بالباطل، ويستبطن تفتيت النسيج والمجتمعات بآلة الأدب، ويد الأديب.
علينا أن نستوعب دور الأدب وأهميته لنجني منه الثمرة التي نريد ونتجنب تأثيره الهدام على أمتنا ومجتمعاتنا.