يعيش هذا الغلام قرنا

الوصف: من كريم أخلاق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وجميل عشرته، وحسن هديه وشمائله، أنه كان يعيش مع


صورة القسم 1

من كريم أخلاق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وجميل عشرته، وحسن هديه وشمائله، أنه كان يعيش مع أصحابه أفراحهم وأحزانهم، وآلامهم وآمالهم، ويقبل دعوتهم، ويهتم بالعطف على أولادهم، ويدعو لهم بالخير .
ومن ذلك ما كان في قصته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع عبد الله بن بُسْر ـ رضي الله عنه ـ، حيث دعاه والد عبد الله للطعام فلبَّى دعوته، وفي هذه القصة ظهرت معجزة من معجزاته ودلائل نبوته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .

روى الحاكم في مستدركه و البيهقي في دلائل النبوة وغيرهما ـ وذكره الألباني في الصحيحة ـ عن عبد الله بن بُسْر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أتى رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منزلنا مع أبي، فقام أبي إلى قطيفة ( كساء أو وسادة ) لنا قليلة الخملِ، فجمَعها بيدِه ثم ألقاها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقعد عليها ثم قال أبي لأُمي: هل عندك شيء تُطعمِينا؟، فقالت: نعم، شيءٌ من حَيسٍ ( تمر منزوع نواه ) ، قال فقرَّبتْه إليهما فأكلا، ثم دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم التفت إليَّ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا غلامٌ فمسح بيده على رأسي ثم قال: يعيش هذا الغلامُ قرْنًا )
وفي رواية ابن عساكر : أخبرنا محمد بن القاسم الطائي عن عبد الله بن بسر : ( قلت: بأبي وأمي يا رسول الله! وكم القرن؟، قال: مائة سنة )، قال عبد الله : " فلقد عشت خمسا وتسعين سنة، وبقيت خمس سنين إلى أن يتم قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال محمد : فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم مات " .

عبد الله بن بسر ـ رضي الله عنه ـ قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: " ابن أبي بُسْر، الصحابي المُعَمِّر، بركة الشام، أبو صفوان المازني، نزيل حمص، له أحاديث قليلة، وصحبة يسيرة، ولأخويه عطية والصماء ولأبيهم صحبة " .
وقال عنه ابن الأثير في كتابه " أُسْد الغابة " : " عبد الله بن بسر المازني ، من مازن بن منصور بن عكرمة ، يكنى أبا بسر ، وقيل: أبا صفوان، صلى القبلتين، وضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يده على رأسه ودعا له، صَحِبَ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو، وأبوه، وأمه، وأخوه عطية، وأخته الصماء " .

لقد كان عبد الله بن بسر ـ رضي الله عنه ـ من العُبَّاد الصالحين، وخُتِمَ له بالحسنى، إذ مات وهو يتوضأ وعمره حينئذ مائة عام، وكان ذلك في خلافة سليمان بن عبد الملك ، وفي العمر الطويل الخير الكثير لمن اغتنمه، وسلك الهدي المستقيم والصراط المستقيم، فعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رجلا قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟، قال: من طال عمره وحسن عمله، قال: فأي الناس شر؟، قال: من طال عمره وساء عمله ) رواه الترمذي .

ووجه المعجزة في هذا الموقف والحديث النبوي هو إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمر من الأمور الغيبية المستقبلية، والتي يستحيل أن يعرفها احد إلا الله ـ عز وجل ـ، الذي أطلع نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بعضها، قال الله تعالى: { عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا }(الجنّ:26 : 27) .
ولو كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُدَّعِّياً للنبوة لما أخبر عن أمر مستقبلي غيبي لا يعرفه أحد من البشر ولم يطالبه به أحد، وهو أن عبد الله بن بسر ـ رضي الله عنه ـ سيعيش قرنا من الزمان، فتحقق بالفعل تصديقا لإخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكان معجزة من معجزاته ودليلا من دلائل نبوته التي وقعت بعد وفاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وصدق حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ في قوله :

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد

فإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في صحوة اليوم أو غد

مسح رأس الطفل سُنَّة نبوية :

يوصي علماء النفس والتربية بأهمية مسح رأس الطفل كأحد أهم وسائل الحوار العاطفي لإظهار الاهتمام به والتعبير عن حبه، والناظر في سيرته وأحاديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجد أنه أعطى الطفل جانبا كبيرا من اهتمامه، ومن صور اهتمامه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ التي تكررت في مواقف كثيرة مع الأطفال مسحه على رؤوسهم والدعاء لهم، كما حدث مع محمد بن حاطب ، و عمرو بن حريث ، و غضيف بن الحارث ، و يوسف بن عبد الله بن سلام ، و عبد الله بن عباس ، و عبد الله بن بسر وغيرهم ـ رضوان الله عليهم ـ، ومن المشهور عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يزور الأنصار ويمسح على رؤوس صبيانهم .