بركة النبي صلى الله عليه وسلم
الوصف: البركة هي: النماء والزيادة في الخير، وهي ثابتة في الشرع للقرآن الكريم، والأنبياء ـ عليهم ا
البركة هي: النماء والزيادة في الخير، وهي ثابتة في الشرع للقرآن الكريم، والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، وزمزم، ولبعض الأزمنة والأمكنة، كمكة المكرمة والمدينة المنورة، وشهر رمضان ويوم الجمعة، وقد ثبتت بركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأدلة كثيرة قطعية اتفق عليها المسلمون، وقد رأى الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ هذه البركة بأعينهم، فكانوا يقتتلون على وضوئه، ويأخذوا من ريقه وعرقه، ويمسحوا أبدانهم بيده، ويحرصوا على ملامسته، وكل ذلك بمرأى منه وإقرار ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
عن
المسور بن مخرمة
ـ رضي الله عنه ـ قوله عن يوم الحديبية : (
فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامةً إلا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه
) رواه
البخاري
.
وعن
أنس بن مالك ـ
رضي الله عنه ـ قال : (
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يُؤتى بإناء إلا غمس يده، فيها فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها
) رواه
مسلم
.
وعن
الوليد بن عقبة
ـ رضي الله عنه ـ قال: ( لما
فتح نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة ويمسح رءوسهم
) رواه
أبو داود
.
وعن
أبي موسى
ـ رضي الله عنه ـ قال: (
كنت عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟، فقال له: أبْشِر، فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر، فأقبل على
أبي موسى وبلال
كهيئة الغضبان، فقال: ردَّ البُشرى، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا، فأخذا القدح ففعلا، فنادت
أم سلمة
من وراء الستر أن أفضلا لأمكما, فأفضلا لها منه طائفة
) رواه
البخاري
.
قال
النووي
: " في الحديث: فضيلة ظاهرة
لأبي موسى وبلال وأم سلمة
- رضي الله عنهم -، وفيه استحباب البشارة واستحباب الازدحام فيما يُتبرك به وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه " .
وعن
أسماء بنت أبي بكر
- رضي الله عنها - أنها أخرجت جبة طيالسة (نوع من الثياب)، وقالت: (
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُسْتَشْفَى بها
) رواه
مسلم
.
ووقائع السيرة النبوية فيها الكثير من الشواهد والأمثلة الدالة على بركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في لمسه للأشياء، ومنها :
مع بعض أصحابه :
من الكرامات والمعجزات التي أكرم الله بها نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم -، حصول الشفاء من الله ـ عز وجل ـ لبعض أصحابه ببركة لمسه لأماكن مرضهم أو إصابتهم .
عن
سهل بن سعد
ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم خيبر: (
لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون
(يخوضون في الحديث)
ليلتهم أيهم يُعطاها؟، قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين
علي بن أبي طالب
؟، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به، فبصق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية
) رواه
البخاري
.
وعن
يزيد بن أبي عبيد
ـ رضي الله عنه ـ قال: (
رأيت أثر ضربة في ساق
سلمة
، فقلت: يا
أبا مسلم
ما هذه الضربة؟، فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب
سلمة
، فأتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة
) رواه
البخاري
.
ومن ذلك ما حصل مع الصحابي
عبد الله بن عتيك
ـ رضي الله عنه ـ حينما انكسرت ساقه في طريق عودته من قتل أبي رافع اليهودي، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (
ابسط رجلك، قال: فبسطتُ رجلي فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط
) رواه
البخاري
.
وعن
جابر بن عبد الله
ـ رضي الله عنه ـ قال : (
دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ فصبّوا علي من وضوئه فعقلت
) رواه
مسلم
.
ومن ذلك بركة يده ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما لمسه وغرسه
لسلمان
ـ رضي الله عنه -، فعن
وهب بن كيسان
، عن
جابر بن عبد الله
: (
أنه أخبره أن أباه تُوفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره
جابر
، فأبى أن ينظره، فكلم
جابر
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليشفع إليه، فجاءه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له، فأبى، فدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمشى فيها، ثم قال: يا
جابر
، جِد له فأوفه الذي له، فجدَّ بعدما رجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء
جابر
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخبره بالذي فعل، فوجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي العصر، فلما انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاءه فأخبره أنه قد وفاه، وأخبره بالفضل الذي فضل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أخبر ذلك
ابن الخطاب
،
فذهب
جابر
إلى
عمر
فأخبره، فقال
عمر
ـ رضي الله عنه ـ: لقد علمت حيث مشى فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليباركنَّ الله عز وجل فيها
) رواه
البخاري
.
لقد توقع
عمر
ـ رضي الله عنه ـ أن يقضي التمرُ مع قِلّته دَّين
جابر
ـ رضي الله عنه ـ، وذلك ليَقِينه ببركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قال
ابن حجر
: " وفيه عَلم ظاهر من أعلام النبوة، لتكثيرِ القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير، وفَضَل منه ".
وقال
ابن كثير
: " وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن
جابر
بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنه ببركة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ودعائه له، ومشيه في حائطه وجلوسه على تمره، وفّى الله دين أبيه، وكان قد قتل بأحد، و
جابر
كان لا يرجو وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فَضُل (بقي) له من التمر أكثر وفوق ما كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة " .
مع فرس
أبي طلحة
،
وجمل
جابر
:
عن
أنس بن مالك
ـ رضي الله عنه ـ قال: (
كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فركب فرسا
لأبي طلحة
بطيئا ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه، فقال: لن تراعوا
) رواه
البخاري
، قال
أنس
ـ رضي الله عنه ـ: " فوالله ما سُبِقَ (فرس
جابر
) بعد ذلك اليوم " .
وعن
جابر بن عبد الله
ـ رضي الله عنه ـ قال: ( غ
زوت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: فتلاحق بي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا على ناضح لنا قد أعيا فلا يكاد يسير، فقال لي: ما لبعيرك؟، قال: قلت عيي، قال: فتخلف رسول الله فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي كيف ترى بعيرك؟، قال: قلت بخير، قد أصابته بركتك
) رواه
البخاري
.
قال
ابن حجر
في الفتح: " آل أمر جمل
جابر
لما تقدم له من بركة ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ إلى مآل حسن، فرأيت في ترجمة
جابر
من تاريخ
ابن عساكر
بسنده إلى
أبي الزبير
ـ رضي الله عنه قال: فأقام الجمل عندي زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وأبي بكر وعمر
، فعجز فأتيت به
عمر
فعرّفت قصته، فقال: اجعله في إبل الصدقة وفي أطيب المراعي، ففعل به ذلك إلى أن مات " .
لقد كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حريصين على ملامسة أو ملامسة شيء لمسه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجاء البركة، فعن
سهل بن سعد
ـ رضي الله عنه ـ قال: (
جاءت امرأة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببردة، فقال: سهل للقوم أتدرون ما البردة؟، فقال القوم: هي الشملة، فقال
سهل
: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟، فأخذها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال: نعم، فلما قام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها!!، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوتُ بركتها حين لبسها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي أكفن فيها
) رواه
البخاري
. وفي رواية أخرى قال الصحابي: (
والله إني ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني، قال
سهل
: فكانت كفنه
) .
ويظهر في هذا الحديث وغيره تعظيم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لكل ما لامس جسد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالصحابي السائل ما طلب البردة ليلبسها، بل طلبها ليكفن بها، تبركا بملامستها لجسد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولولا علم الصحابة بجواز ذلك لأنكروا عليه، ولو أنهم كانوا يجهلون المسألة أصلا، لسألوا عنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فائدة :
بركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تمثلت في أكثر من شيء، فبدنه مبارك، ورؤيته بركة، وكلامه كذلك، والله تعالى أرسل نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لدعوة الناس وهدايتهم بأقواله وأفعاله، فهل كل من سمع كلامه آمن به؟، أو رآه سرت إليه بركته؟، كلا، لا يزعم هذا أحد، فالذين أعرضوا عن دعوته وماتوا كافرين بالله ـ تعالى ـ كأبي جهل وأبي لهب وغيرهم ممن عاصره ـ صلى الله عليه وسلم ـ هم من أكثر الناس له: سماعا ورؤية، وتماسا باليد والبدن سنين طويلة، ومع ذلك لم ينتفعوا من ذلك بشيء، ولا شك أن بركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ موجودة وحاضرة، لا يمنع من سريانها مانع منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بل علة المنع منهم، فهم الذين لم يقبلوا هدى الله ـ عز وجل ـ الذي أرسله به، فإنما هم قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، وقد وقعت أبصارهم عليه، فأين هم من الحديث الذي رواه
أبو سعيد الخدري
ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (
طوبى لمن رآني، ولمن رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رآني
) رواه
الطبراني
وصححه
الألباني
.
وإذا انشغل الكثير من الناس ببركته الحسية ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي ولا شك ثابتة له، وهي من عظيم فضائله ومن دلائل نبوته، فأين نحن من الاهتمام ببركته المعنوية في اتباع هديه وسنته وشريعته ؟! .