بركة النبي صلى الله عليه وسلم

الوصف: البركة هي: النماء والزيادة في الخير، وهي ثابتة في الشرع للقرآن الكريم، والأنبياء ـ عليهم ا


صورة القسم 1

البركة هي: النماء والزيادة في الخير، وهي ثابتة في الشرع للقرآن الكريم، والأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، وزمزم، ولبعض الأزمنة والأمكنة، كمكة المكرمة والمدينة المنورة، وشهر رمضان ويوم الجمعة، وقد ثبتت بركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأدلة كثيرة قطعية اتفق عليها المسلمون، وقد رأى الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ هذه البركة بأعينهم، فكانوا يقتتلون على وضوئه، ويأخذوا من ريقه وعرقه، ويمسحوا أبدانهم بيده، ويحرصوا على ملامسته، وكل ذلك بمرأى منه وإقرار ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
عن المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ قوله عن يوم الحديبية : ( فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامةً إلا وقعت في كفّ رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه ) رواه البخاري .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يُؤتى بإناء إلا غمس يده، فيها فربما جاءوه في الغداة الباردة فيغمس يده فيها ) رواه مسلم .

وعن الوليد بن عقبة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( لما فتح نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيدعو لهم بالبركة ويمسح رءوسهم ) رواه أبو داود .
وعن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟، فقال له: أبْشِر، فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: ردَّ البُشرى، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا، فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما, فأفضلا لها منه طائفة ) رواه البخاري .
قال النووي : " في الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة - رضي الله عنهم -، وفيه استحباب البشارة واستحباب الازدحام فيما يُتبرك به وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه " .
وعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - أنها أخرجت جبة طيالسة (نوع من الثياب)، وقالت: ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُسْتَشْفَى بها ) رواه مسلم .

ووقائع السيرة النبوية فيها الكثير من الشواهد والأمثلة الدالة على بركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في لمسه للأشياء، ومنها :

مع بعض أصحابه :

من الكرامات والمعجزات التي أكرم الله بها نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم -، حصول الشفاء من الله ـ عز وجل ـ لبعض أصحابه ببركة لمسه لأماكن مرضهم أو إصابتهم .
عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوم خيبر: ( لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، قال: فبات الناس يدوكون (يخوضون في الحديث) ليلتهم أيهم يُعطاها؟، قال: فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يرجون أن يعطاها، فقال: أين علي بن أبي طالب ؟، فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به، فبصق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عينيه، ودعا له فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية ) رواه البخاري .
وعن يزيد بن أبي عبيد ـ رضي الله عنه ـ قال: ( رأيت أثر ضربة في ساق سلمة ، فقلت: يا أبا مسلم ما هذه الضربة؟، فقال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة ، فأتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة ) رواه البخاري .
ومن ذلك ما حصل مع الصحابي عبد الله بن عتيك ـ رضي الله عنه ـ حينما انكسرت ساقه في طريق عودته من قتل أبي رافع اليهودي، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ابسط رجلك، قال: فبسطتُ رجلي فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط ) رواه البخاري .
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : ( دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ فصبّوا علي من وضوئه فعقلت ) رواه مسلم .
ومن ذلك بركة يده ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما لمسه وغرسه لسلمان ـ رضي الله عنه -، فعن وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله : ( أنه أخبره أن أباه تُوفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر ، فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليشفع إليه، فجاءه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له، فأبى، فدخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمشى فيها، ثم قال: يا جابر ، جِد له فأوفه الذي له، فجدَّ بعدما رجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأوفاه ثلاثين وسقا، وفضلت له سبعة عشر وسقا، فجاء جابر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخبره بالذي فعل، فوجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي العصر، فلما انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاءه فأخبره أنه قد وفاه، وأخبره بالفضل الذي فضل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أخبر ذلك ابن الخطاب ، فذهب جابر إلى عمر فأخبره، فقال عمر ـ رضي الله عنه ـ: لقد علمت حيث مشى فيها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليباركنَّ الله عز وجل فيها ) رواه البخاري .
لقد توقع عمر ـ رضي الله عنه ـ أن يقضي التمرُ مع قِلّته دَّين جابر ـ رضي الله عنه ـ، وذلك ليَقِينه ببركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
قال ابن حجر : " وفيه عَلم ظاهر من أعلام النبوة، لتكثيرِ القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير، وفَضَل منه ".
وقال ابن كثير : " وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنه ببركة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ودعائه له، ومشيه في حائطه وجلوسه على تمره، وفّى الله دين أبيه، وكان قد قتل بأحد، و جابر كان لا يرجو وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فَضُل (بقي) له من التمر أكثر وفوق ما كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة " .

مع فرس أبي طلحة ، وجمل جابر :

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فركب فرسا لأبي طلحة بطيئا ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه، فقال: لن تراعوا ) رواه البخاري ، قال أنس ـ رضي الله عنه ـ: " فوالله ما سُبِقَ (فرس جابر ) بعد ذلك اليوم " .
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: ( غ زوت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: فتلاحق بي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا على ناضح لنا قد أعيا فلا يكاد يسير، فقال لي: ما لبعيرك؟، قال: قلت عيي، قال: فتخلف رسول الله فزجره ودعا له، فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي كيف ترى بعيرك؟، قال: قلت بخير، قد أصابته بركتك ) رواه البخاري .
قال ابن حجر في الفتح: " آل أمر جمل جابر لما تقدم له من بركة ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ إلى مآل حسن، فرأيت في ترجمة جابر من تاريخ ابن عساكر بسنده إلى أبي الزبير ـ رضي الله عنه قال: فأقام الجمل عندي زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر ، فعجز فأتيت به عمر فعرّفت قصته، فقال: اجعله في إبل الصدقة وفي أطيب المراعي، ففعل به ذلك إلى أن مات " .

لقد كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حريصين على ملامسة أو ملامسة شيء لمسه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رجاء البركة، فعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: ( جاءت امرأة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببردة، فقال: سهل للقوم أتدرون ما البردة؟، فقال القوم: هي الشملة، فقال سهل : هي شملة منسوجة فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه؟، فأخذها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ محتاجا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها، فقال: نعم، فلما قام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لامه أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذها محتاجا إليها ثم سألته إياها!!، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئا فيمنعه، فقال: رجوتُ بركتها حين لبسها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي أكفن فيها ) رواه البخاري . وفي رواية أخرى قال الصحابي: ( والله إني ما سألته لألبسها، إنما سألته لتكون كفني، قال سهل : فكانت كفنه ) .
ويظهر في هذا الحديث وغيره تعظيم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لكل ما لامس جسد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فالصحابي السائل ما طلب البردة ليلبسها، بل طلبها ليكفن بها، تبركا بملامستها لجسد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولولا علم الصحابة بجواز ذلك لأنكروا عليه، ولو أنهم كانوا يجهلون المسألة أصلا، لسألوا عنها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

فائدة :

بركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تمثلت في أكثر من شيء، فبدنه مبارك، ورؤيته بركة، وكلامه كذلك، والله تعالى أرسل نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لدعوة الناس وهدايتهم بأقواله وأفعاله، فهل كل من سمع كلامه آمن به؟، أو رآه سرت إليه بركته؟، كلا، لا يزعم هذا أحد، فالذين أعرضوا عن دعوته وماتوا كافرين بالله ـ تعالى ـ كأبي جهل وأبي لهب وغيرهم ممن عاصره ـ صلى الله عليه وسلم ـ هم من أكثر الناس له: سماعا ورؤية، وتماسا باليد والبدن سنين طويلة، ومع ذلك لم ينتفعوا من ذلك بشيء، ولا شك أن بركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ موجودة وحاضرة، لا يمنع من سريانها مانع منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بل علة المنع منهم، فهم الذين لم يقبلوا هدى الله ـ عز وجل ـ الذي أرسله به، فإنما هم قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، وقد وقعت أبصارهم عليه، فأين هم من الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( طوبى لمن رآني، ولمن رأى من رآني، ولمن رأى من رأى من رآني ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
وإذا انشغل الكثير من الناس ببركته الحسية ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي ولا شك ثابتة له، وهي من عظيم فضائله ومن دلائل نبوته، فأين نحن من الاهتمام ببركته المعنوية في اتباع هديه وسنته وشريعته ؟! .