فتْح الحِيرَة من دلائل النبوة
الوصف: من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته إخباره بأمور غيبية مستقبلية وقعت كما أخبر
من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته إخباره بأمور غيبية مستقبلية وقعت كما أخبر بها بعد وفاته، ومن ذلك: وقوع ما بشر به أصحابه رضوان الله عليهم من فتحهم الحِيرة، وهي مدينة قديمة قرب الكوفة في العراق. قال
الكرماني
: "(الحِيرة) مدينة معروفة عند الكوفة". ففي السنة التاسعة للهجرة النبوية بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفتح الحيرة، وفي السنة الثانية عشرة ـ في خلافة
أبي بكر الصديق
رضي الله عنه ـ وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم بعام، وقع ما أخبر وبشر به أصحابه من فتح الحيرة، وكذلك وعده
لخريم بن أوس
رضي الله عنه ب
الشَّيْمَاءُ بنت نفيلة
عند فتح الحيرة .
روى
الطبراني
في الكبير، و
ابن حبان
في صحيحه، و
البيهقي
في الدلائل عن
خُرَيْم بْن أَوْسِ بن حارثة
رضي الله عنه قال: (هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنْصَرَفه من تبوك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
هذه الحيرة البيضاء قَدْ رُفِعَتْ لي، وهذه
الشَّيْمَاءُ بنت نفيلة الأزدية
على بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُعتَجِرَة بِخِمَار أسود،
فقلت: يا رسول الله إنْ نحن دخلنا الحيرة فوجدتها كما قلت فهي لي، قال:
هي لك
.
فلما كان زمان
أبي بكر
وفرغنا من
مسيلمة
، أقبلنا إلى الحيرة فأول من تلقانا حين دخلناها
الشَّيْمَاءُ بِنْتُ نُفَيْلةَ
(في رواية
ابن حبان نقيلة
) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
على بغلة شهباء
(بيضاء)
معتجرة
(مغطية رأسها)
بخمار أسود
،
فتعلقتُ بها، وقلت: هذه وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني
خالد بن الوليد
عليها بالبينة، فأتيته بها، وكانت البينة
محمد بن مسلمة
و
محمد بن بشر الأنصاري
فسلمها إليَّ، فنزل إليها أخوها يريد الصلح، فقال لي: بعنيها، فقلت: لا أنقصها والله من عشرة مائة درهم، فأعطاني ألف درهم، فقيل: لو قلتَ له مائة ألف لدفعها إليك، قال: ما كنتُ أحسب أن عددا أكثر من عشرة مائة)، وفي رواية: (فجاء أبوها، فقال: أتبيعها؟ قال: بكم؟ قال: بألف درهم، قال: لو قلت: بثلاثين ألفا لأخذتها، قال: وهل عدد أكثر من ذلك). قال
الهيثمي
: "قلت هكذا وقع في هذه الرواية أن الذي اشتراها أبوها، وإن المشهور أن الذي اشتراها
عبدالمسيح
أخوها، والله أعلم".
وفي رواية ل
لطبراني
وصححها
الألباني
عن
عدي بن حاتم
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
مُثِّلتْ ليَ الحيرةُ كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحُونها
، فقام رجل فقال: هبْ لي يا رسول الله
ابنة بُقيلة
،
فقال:
هي لك
،
فأعطوها إياه، فجاء أبوها فقال: أَتَبِيعْنيها؟ فقال: نعم، قال: بكم؟ قال احتكِمْ ما شئتَ، قال: بألفِ درهمٍ، قال: قد أخذتُها، فقيل له: لو قلتَ ثلاثين ألفًا، قال: وهل عددٌ أكثرُ من ألفٍ). (
مُثِّلتْ لي الحيرة
) أي: رفعت له صلى الله عليه وسلم فرآها يقظة أو مناما، ووصفها وبشر أمته بفتحها. وقال
ابن الجوزي
: "
بنت بقيلة
اسمها
الشيماء
، والرجل الذي استوهبها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبها له:
خريم بن أوس
".
لقد طلب
خريم بن أوس
رضي الله عنه ما طلب ـ
ابنة بقيلة
ـ موقناً بصحة وصدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن الحيرة ستفتح لهم، مع أن تصور انتصار المسلمين وفتحهم للحيرة بالعراق حينئذٍ كان أمراً أبعد من الخيال عند البعض، وقد كان المنافقون في المدينة المنورة يعلقون على تبشير النبي صلى الله عليه وسلم ووعده لأصحابه بأنهم سيفتحون فارس والروم والحيرة وغيرها من بلاد قائلين: يُخبركم أنه يُبْصِر قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تقضوا حاجتكم.. ومع ذلك وقع ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم من فتح الحيرة وغيرها من بلاد، وتحقق وعده ل
خريم بن أوس
بابنة بقيلة
.. ومن ثم فهذا الحديث ـ حديث
خريم بن أوس
ـ وما جاء على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم من الإخبار عن أمور غيبية تحققت في حياته أو بعد وفاته وِفق ما أخبر به، معجزة من معجزاته ودليلا من دلائل نبوته، وأنه صلوات الله وسلامه رسول من عند الله لا ينطق عن الهوى، كما قال الله تعالى: {
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
}{النَّجم 4:3)، إذ لا سبيل إلى معرفة الغيب إلا بوحي من الله عزّ وجل، قال الله تعالى: {
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ
}(الجـن:26: 27). قال
البغوي
: "{
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ
} إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب، لأنه يستدل على نبوته بالآية المعجزة بأن يخبر عن الغيب" .