أعظم قدوة ـ صلى الله عليه وسلم ـ
الوصف: إذا كان لكل أمّة رسول تقتدي به في جميع شؤونها، ولكل فرد شخصية تكون مثله الأعلى وقدوته في هذ
إذا كان لكل أمّة رسول تقتدي به في جميع شؤونها، ولكل فرد شخصية تكون مثله الأعلى وقدوته في هذه الحياة، فنحن المسلمين نملك أفضل وأعظم قدوة، إنه سيِّد ولد آدم، وأفضل الأنبياء المرسلين، وهو القدوة العملية والأُسوة الحسنة للمؤمنين، قال الله تعالى: {
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا
}(الأحزاب: 21) .
قال
ابن حزمٍ
: " مَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به بمَنِّه، آمين " .
ومن المعلوم أن المناهجَ والنظرياتِ التربويةَ في حاجةٍ دائمةٍ إلى من يُطَبِّقُهَا ويعملُ بها، وبدون ذلك تظلُّ حِبراً على ورق، لا تحقق جدواها، ولذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أمر بشيء عمل به أولا، وإذا نهى عن شيء كان أول المنتهين عنه، قال
ابن حجر
في كتابه ( الإصابة ) : " قال
الجلندى
: لقد دَلَّنِي على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر ( لا يتلفظ بقبيح )، وأنه يفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي " .
والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف التي يظهر من خلالها مدى تأثيرُ القُدوة العملية في المدعوين، والتي قد لا تتوافر لمجرد الدعوة النظرية، ومن هذه المواقف مشاركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه العمل والحفر في غزوة الأحزاب، وموقفه مع أصحابه في عمرة الحديبية .
في غزوة الأحزاب (الخندق) أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القدوة العملية في مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال، فقد تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، المهمة الشاقة في حفر الخندق، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع، وعمق يقرب من عشرة أذرع، فقد تم إنجازه في سرعة كبيرة، وكان لمشاركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفعلية، الأثر الكبير في الروح العالية التي سيطرت على المسلمين في موقع العمل، وكان أثناء حفره يردد أبيات
عبد الله بن أبي رواحة
ـ رضي الله عنه ـ :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا
والمسلمون يرددون بعده قائلين :
نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدا
وفي ذلك تعليم للقادة والدعاة والمربين أن يعطوا القدوة بفعلهم مع قولهم، فالرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ أمر بحفر الخندق وشارك أصحابه في الحفر وحمل الحجارة، وجاع كما جاعوا، وقد تأثر الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ بذلك تأثرا كبيرا، وعبروا عن ذلك بإنشادهم :
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المُضَلل
عمرة الحدييية :
لما صدَّ المشركون الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه عن البيت الحرام، حين أرادوا العمرة عام الحديبية، وبعد إبرام الصلح مع قريش، كان وقع ذلك عظيماً على الصحابة ـ رضوان الله عليهم -، فلما أمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنحر ما معهم من الهَدْي ليُحِلُّوا من إحرامهم، ترددوا مع شدةِ حرصهم على طاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهنا يتجلى الأثرُ العظيم للقدوة العملية، إذ أشارت
أمُّ سَلَمَة
- رضي الله عنها ـ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم هو أولاً فينحر ويحلق شعره ـ عمليا ـ، لأن صحابته سيقتدون به عند ذلك لا محالة .
عن
المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم
- رضي الله عنهما - في حديث طويل، ذكرا فيه: أنه لما تم الصلح بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومشركي قريش، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (
يا أيها الناس انحروا واحلقوا، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل على
أم سلمة
فقال: يا
أم سلمة
! ما شأن الناس؟، قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلتَ ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يكلم أحدا حتى أتى هَدْيَه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون
) رواه
أحمد
.
وفي الرواية التي ذكرها
ابن القيم
في كتابه " زاد المعاد ": (
فخرج ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نَحَرَ بُدْنَهُ، ودعا حالقَه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً
) .
وفي هذا الموقف دلالة ظاهرة على أهمية القدوة العملية، والتفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير الفعل، ففي حين لم يتغلب القولُ على هموم الصحابة وتألُّمِهم مما حدث، فإنهم بادروا إلى التنفيذ اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين تحوَّل أمرُهُ القَولي إلى تطبيقٍ عمليٍّ، حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً، ولهذا يدعو الإسلام إلى دعم القول بالعمل، ومطابقة الأفعال للأقوال، قال الله تعالى: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ
}(الصف الآية 2: 3) .
كان خُلُقُهُ القُرآن :
بدراسة السيرة النبوية يتم حسن الاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومعرفة شمائله، فإنها ترشد المسلم إلى مكارم الأخلاق، وتعينه على اكتسابها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القدوةَ التي ترجمت المنهج الإسلامي وأخلاقه إلى حقيقة وواقع، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغرس في أصحابه الأخلاق الطيبة بفعله وسلوكه مع قوله، ولذلك لما سُئِلَت أم المؤمنين
عائشة
ـ رضي الله عنها - عن خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم - قالت: (
كان خُلُقُهُ القُرآن
) رواه
مسلم
.
فجميع ما في القرآن الكريم من أخلاق وآداب وفضائل ومكارم متمثّلة في شخصيته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد تأدب بآدابه، وتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن، كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن، كان فيه سخطه، وجاء في رواية
البخاري
، قالت
عائشة
ـ رضي الله عنها ـ: (
كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه
) .
وقد أحسن شوقي في تعداد بعض أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العظيمة، وخِصاله الكريمة، وشمائله المباركة، حين قال:
زَانَتْكَ فِي الخُلُقِ العَظِيمِ شَمَائِلٌ
يُغَرَى بِهِنَّ وَيُولَعُ الكُرُمَاءُ
وَالحُسْنُ مِنْ كَرَمِ الوُجُوهِ وَخَيْرُهُ
مَا أُوتِيَ القُوَّادُ وَالزُّعَمَاءُ
فَإِذَا سَخَوْتَ بَلَغْتَ بِالجُودِ المَدَى
وَفَعَلْتَ مَا لاَ تَفْعَلُ الأَنْوَاءُ
وَإِذَا عَفَوْتَ فَقَادِرًا وَمُقَدَّرًا
لاَ يَسْتَهِينُ بِعَفْوِكَ الجُهَلاَءُ
وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ
هَذَانِ فِي الدُّنْيَا هُمَا الرُّحَمَاءُ
وَإِذَا غَضِبْتَ فَإِنَّمَا هِيَ غَضْبَةٌ فِي الحَقِّ لاَ ضِغْنٌ وَلاَ بَغْضَاءُ
وَإِذَا رَضِيتَ فَذَاكَ فِي مَرْضَاتِهِ وَرِضَا الكَثِيرِ تَحَلُّمٌ وَرِيَاءُ
وَإِذَا خَطَبْتَ فَلِلمَنَابِرِ هِزَّةٌ تَعْرُو النَّدِيَّ، وَلِلقُلُوبِ بُكَاءُ
وَإِذَا قَضَيْتَ فَلاَ ارْتِيَابَ كَأَنَّمَا جَاءَ الخُصُومَ مِنَ السَّمَاءِ قَضَاءُ
وَإِذَا بَنَيْتَ فَخَيْرُ زَوْجٍ عِشْرَةً وَإِذَا ابْتَنَيْتَ
فَدُونَكَ الآبَاء
وَإِذَا صَحِبْتَ رَأَى الوَفَاءَ مُجَسَّمًا فِي بُرْدِكَ الأَصْحَابُ وَالخُلَطَاءُ
وَإِذَا أَخَذْتَ العَهْدَ أَوْ أَعْطَيْتَهُ فَجَمِيعُ عَهْدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفَاءُ
يَا أَيُّهَا الأُمِّيُّ حَسْبُكَ رُتْبَةً فِي العِلْمِ أَنْ دَانَتْ بِكَ العُلَمَاءُ
الذِّكْرُ آيَةُ رَبِّكَ الكُبْرَى الَّتِي فِيهَا لِبَاغِي المُعْجِزَاتِ غَنَاءُ
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صورةً حيةً لأخلاق وتعاليم الإسلام السامية، رأَى الناس فيه الإسلام رأْيَ العين، فهو أفضل معلم وأعظم قدوةً في تاريخ البشرية كلها، والذي أمرنا ربنا ـ سبحانه ـ بطاعته واتباعه والاقتداء به، قال الله تعالى: {
وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
}(الحشر من الآية:7)، وقال: {
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
}(آل عمران:31)، وقال:{
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا
}(الأحزاب:21) ..