آية الكرسي مفتاح كنز ومشكاة نور
الوصف: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعه بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
آية الكرسي مفتاح كنز ومشكاة نور
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعه بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؛ ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
عباد الله:
فقد فتح الله لعباده المؤمنين باب الرحمة، وأغدق عليهم وابلَ النعمة، وأرشدهم إلى ما به الرُّقيُّ في معارج الدرجات؛ إذ آتاهم مفتاح التعريف به سبحانه، وفتح لهم معارجَ الرقي إليه، الذي به ينال العلماء عِلْمَهم بالله، ويكتسبون مقامات الخشية ومنازل التقوى، فجاءت آية الكرسي تعرض مناهج التعرف إلى الله، وطريق العلم به تعالى، بما لا مثيل له في القرآن كله؛ إنها كلمة سرٍّ، ومفتاح كنز، ومشكاة نور، لا تكاد تُطيق توهُّجَه القلوبُ والأبصار، وإنها آية العزة، وتجلِّي العظمة.
فعن أبيِّ بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا المنذر، أتدري أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [البقرة: 255]، قال: فضرب في صدري، وقال: والله لِيَهْنِكَ العلم أبا المنذر))؛ [رواه مسلم].
فما من جملة فيها إلا وهي مِفتاح من مفاتيح الكنوز والأسرار، وقاعدة من قواعد الإيمان العظمى، وأصل من أصول التوحيد، وفيها كلمة السر التي تفتح باب العروج إلى الرحمن، وتكشف الحجاب عن الكنوز المبْثُوثة في عالم الملك والملكوت.
أيها المسلمون
إليكم ستُّ رسائل هدًى ونور، نقتبسها من هذه الآية الكريمة:
الرسالة الأولى:
إنها آية عظيمة في التعريف بالله، فأن تجدَ ما يعرفك بخالقك، وما يعلمك حقيقة ربك، معناه أنك قد وجدت كل شيء، وجدت ذاتك وحياتك، ودنياك وآخرتك، وذُقْتَ لذة العَيشِ، ولو كنت أفقر الناس، وامتلأ قلبك بالأمل العظيم في الله.
فهي خير أورادك وأذكارك؛ سواء بُعيدَ صلاتك أو عند منامك، بليل أو نهار، أو سفر أو حضر وسائر أحوالك؛ فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ آية الكرسي في دُبُرِ كلِّ صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت))؛ [صححه الألباني].
الرسالة الثانية
إن أشرف العلوم الإيمانية هو العلم المُعرِّف بالله جل جلاله توحيدًا وتفريدًا.
إن العلم الحق بالله هو ما عرف العبد بربه، وغمر قلبه بنور اليقين، وأكسبه مشاهدة حقائق الإيمان، وتجلِّيات أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، بما عرف من جلال ربوبيته، وجمال ألوهيته؛ فتعلق قلبه به، وسار إليه تعالى إجلالًا وتعظيمًا، وخوفًا ورجاءً، وشوقًا ومحبةً، وتدرج في مراتب الإخلاص حتى يكون من الصديقين، وذلك هو علم التوحيد المأخوذ من الكتاب والسنة رأسًا.
الرسالة الثالثة:
إن حقائق الأسماء الحسنى والصفات العلى من أهم أصول العلم بالله، وأن معرفة العبد بالله تكون على قدر معرفته بها، وتحققه بمقتضياتها، وتخلُّقه بمنازلها، فمن شرح الله صدره لها، وعمر قلبه بأنوارها، تلقيًا لحقائقها من كتاب الله وسنة رسول الله صلى عليه وسلم - لم يَزَلْ يشاهد تجلياتها في كل شيء من ملكوت السماوات والأرض.
الرسالة الرابعة:
إن من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه دعاءه بالأسماء الحسنى، والثناء عليه بما أعطانا من عباراتها المنيرة وألفاظها الكريمة؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].
الرسالة الخامسة:
إن الاسم الأعظم هو جوهرة الأسماء الحسنى، ما دعا به صادقٌ إلا استُجيب له؛ وذلك لِما يتضمنه من التمجيد والتعظيم، والثناء الكبير على الله عز وجل، لِما أودع الله فيه من أسرار صفاته وعظيم قدرته.
الرسالة السادسة:
إن آية الكرسي تتضمن أصلًا عظيمًا من أصول التوحيد في الإسلام؛ ألا وهو توحيد الأسماء والصفات، معناه راجع إلى إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الحسنى، والصفات العلى، أو أثبته له نبيه صلى الله عليه وسلم منها، ثم نفى ما نفاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن ذاته جل جلاله من صفات النقص والمثال.
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه؛ إنه الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالين، الحمد لله البَرِّ الرحيم، هادي الحيارى إلى صراطه المستقيم، والصلاة والسلام على نبيه محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وعلى آله وصحبه، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
إنه لَحَرِيٌّ بالمؤمن أن يتخلَّقَ بما في آية الكرسي من مقام عالٍ رفيع؛ وهو مقام "العلم بالله"، الذي إذا صار منزلًا ثابتًا للمؤمن، كان من أهل الله وخاصته، وكان من الصديقين المذكورين في الملأ الأعلى.
والوصول إلى هذا المقام رهينٌ بالنجاح في التدرج إليه تخلقًا وتحققًا، عبر المنهاج التربوي المكنون في الآية العظيمة.
الدعاء.