فوائد ذِكْرِ اللهِ تعالى

الوصف: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر


صورة القسم 1

فوائد ذِكْرِ اللهِ تعالى

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد: للذِّكر فوائدُ كثيرةٌ لا تُحصى، ويعجز القلبُ عن إدراكها؛ فهو حياةُ القلوب، وفيه تَفَرُّج للكروب، ورِضَى علاَّم الغيوب، قال ابن تيمية - رحمه الله -: (الْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ أَفْضَلُ مَا يَتَحَرَّاهُ الْمُتَحَرِّي مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَسَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ أَمَانٍ وَسَلَامَةٍ، وَالْفَوَائِدُ وَالنَّتَائِجُ الَّتِي تَحْصُلُ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانٌ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ إنْسَانٌ). عباد الله.. فمن أعظم فوائد الذِّكر:

 

أنه يُحِصِّن الذَّاكِر من وسوسة الشيطان: فالعدو يدخل للإنسان من باب الغفلة، فإذا غفل وثَبَ عليه وافترسه، وإذا ذَكَرَ اللهَ تعالى انخنس، وتصاغَرَ وانقمعَ، حتى يكون كالذباب؛ ولذا سُمِّي بالوسواس الخناس.

 

الذِّكر سببٌ للتَّرقِّي في الجِنان: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ، إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً» رواه مسلم.

 

الذِّكر يكسو الذَّاكِرَ الجلالةَ والمَهابة، ومَحبَّةَ الله: فمَنْ أراد أنْ ينالَ محبةَ الله؛ فليلهج بذِكره، وكما أنَّ الدرس والمُذاكرة باب العلم، فالذِّكر بابُ المحبة.

 

الذِّكر حياةٌ للقلوب: وشفاءٌ لها من مرض الغفلة، والمعاصي؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ؛ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ» رواه البخاري. فتارك الذِّكرِ ليس لحياته اعتبار؛ بل هو شبيه بالأموات. قال ابن القيم - رحمه الله -: (سمعتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية - قدَّس اللهُ تعالى رُوحَه - يقول: الذِّكر للقلب مِثْلُ الماء للسَّمك، فكيف يكون حال السَّمك إذا فارَقَ الماء؟).

 

الذِّكر يُزِيلُ الهَمَّ والغَمَّ، ويَجْلِبُ الفرحَ والسُّرور: وأعظمُ الذِّكر هو القرآن الكريم، وهو شفاءٌ لأمراض القلوب؛ من شُبهاتٍ وشَهوات، وفيه الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب، والتزهيد في الدنيا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [يونس: 57].

 

الذِّكر يُورِثُ الذَّاكِرَ مُراقبةَ لله: ويُدْخِلُه في باب الإحسان، فيعبد اللهَ كأنه يراه، والغافِلُ عن ذِكْرِ الله بعيدٌ عن مقام الإحسان، وهو إلى الإساءة أقرب.

 

الذِّكر يُورِثُ الإنابة: وهي الرجوع إلى الله تعالى، فمتى رَجَعَ العبدُ إلى ربِّه بذِكْرِه؛ أورَثَه ذلك رجوعَه بقلبه إليه في كلِّ أحواله، فيبقى اللهُ تعالى مَفْزَعَه ومَلْجَأَه، ومَلاذَه ومَعاذَه، وقِبْلَةَ قلبِه، ومهرَبَه عند النَّوازل والبَلايا.

 

الذِّكر يُزِيلُ الوحشةَ بين العبدِ وربِّه: فإنَّ الغافل بينه وبين الله تعالى وحشةٌ لا تزول إلى بالذِّكر.

 

الذِّكر قُوتُ القلبِ والرُّوح: فإذا فقَدَه العبدُ صار بمنزلة الجسم إذا حِيلَ بينه وبين قُوتِه، قال ابن القيم - رحمه الله: (وحضرتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية مَرَّةً صلَّى الفجرَ، ثم جلس يذكر اللهَ تعالى إلى قريبٍ من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ الغداءَ سقطتْ قُوَّتِي. وقال لي مرَّةً: لا أتْرُكُ الذِّكرَ إلاَّ بِنِيَّةِ إجمامِ نفسِي وإراحتها؛ لأستَعِدَّ بتلك الراحةِ لِذِكْرٍ آخَر).

 

الذِّكر يُورِثُ جلاءَ القلبِ مِنْ صدأه: وكلُّ شيءٍ له صدأ، وصدأُ القلب الغفلة والهوى، وجلاؤه بالذِّكر، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء.

 

الذِّكر أيْسَرُ العِبادات: مع كونه أجلَّها وأفضلَها وأكرَمَها على الله تعالى؛ فإنَّ حركةَ اللسان أخفُ حركاتِ الجوارح وأيسرُها.

 

الذِّكر نورٌ للذَّاكر: نورٌ له في الدنيا، ونورٌ له في قبره، ونورٌ له في مَعاده، يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوبُ والقبورُ بِمِثْل ذِكرِ الله تعالى، قال تعالى: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122].

 

في القلب خَلَّةٌ وفاقةٌ؛ لا يَسُدُّها إلاَّ الذكر: فالذِّكر يسد الخَلَّة، ويُغني الفاقة، فيكون صاحبه غنياً بلا مال، عزيزاً بلا عَشِيرة، مَهِيباً بلا سلطان.

 

الذِّكر جَلاَّب النِّعم: فما اسْتُجْلِبَتْ نِعَمُ الله سبحانه، واسْتُدْفِعَتْ نِقَمُه بمثل ذِكرِه وطاعتِه، ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10-12].

 

تُسْتَجْلَب القوةُ بذكرِ الله: وقد علَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمةَ وعليًّا - رضي الله عنهما – أنْ يُسَبِّحا كُلَّ ليلة - إذا أخذوا مضاجِعَهما - ثلاثاً وثلاثين، ويَحْمَدا ثلاثاً وثلاثين، ويُكَبِّرا أربعاً وثلاثين؛ لَمَّا سألته الخادِمَ، وشَكَتْ إليه ما تُقاسِيه من الطَّحن والسَّعي والخِدمة، فعلَّمَها ذلك، وقال: «فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» رواه البخاري.

 

قُصورُ الجَنَّةِ تُبْنَى بالذِّكر: فإذا أمسكَ الذاكِرُ عن الذِّكر؛ أمسكت الملائكةُ عن البناء، فإذا أخذَ في الذِّكر؛ أخذوا في البناء.

 

استبشارُ الجبالِ والقِفارِ بِمَنْ يذكر اللهَ عليها: وأمَّا الغافلون: ﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ ﴾ [الدخان: 29]؛ بل ارتاحت منهم ومن فجورهم بعدَ هلاكهم.

 

كثرة ذِكْرِ اللهِ أمانٌ من النِّفاق: فإنَّ المنافقين قليلو الذِّكرِ لله تعالى، قال تعالى - في المنافقين: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142].

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله... عباد الله.. ومن فوائد الذكر:

للذِّكر لَذَّةٌ لا يُشابهها شيء: فلو لم يكن للعبد من الثواب إلاَّ اللذة الحاصلة للذَّاِكر، والنعيم الذي يحصل لقلبه؛ لكفى به، ولهذا سُمِّيَتْ مَجالِسُ الذِّكر رِياض الجنة، وما تلذَّذ المُتلذِّذون بِمِثلِ ذِكِرِ الله تعالى، فليس شيءٌ من الأعمال أخفَ مؤنةً منه، ولا أعظمَ لذةً، ولا أكثرَ فرحةً وابتهاجاً للقلب.

 

شهادةُ البِقاع للذَّاكرِ يوم القيامة: في المداومة على الذِّكر - في الأماكن والأحوال المُختلِفة - تكثيرٌ لِشُهود الذَّاكِرِ يوم القيامة؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؛ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري.

 

الذِّكر أمانٌ للذَّاكِر: فتذهب عن القلب مَخاوِفُه كلُّها، وليس للخائف أنفع من ذكر الله تعالى، قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82]. وأمَّا الغافل فهو خائِفٌ مع أمْنِه، حتى كأنَّ ما هو فيه من الأمن كله مَخاوِف.

 

الذِّكر مَظِنَّةٌ لإجابة الدُّعاء: فالدعاء الذي يتقدَّمُه الذكرُ والثناءُ؛ أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المُجرَّد؛ كما في دعاء ذي النون - عليه السلام -: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]؛ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم - في دعاء الكَرْب: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ» رواه البخاري ومسلم.

 

مَنْ تَعرَّفَ إلى الله تعالى بِذِكرِه في الرَّخاء؛ عَرَفَه في الشِّدة.

 

الذِّكر سببُ نزولِ السكينة، وغِشيانِ الرحمة، وحُفوفِ الملائكة بالذَّاكر.

 

الذِّكر سببُ اشتغالِ اللِّسان عن الغِيبة والنَّميمةِ والكذبِ والفُحْشِ والباطل.

 

الذِّكر مع البكاءِ في الخَلوة؛ سببٌ لإظلالِ اللهِ تعالى لعبده يومَ الحرِّ الأكبر في ظِلِّ عرشه، يوم لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّه.