أنواع ذكر الله وشكره
الوصف: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر
أنواع ذكر الله وشكره
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل قول وعمل يقرِّب إليها.
عباد الله:
قال الله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].
وتشير الآية الكريمة إلى ذكرِ الله في كل الأحوال والأوقات.
ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
وفي الآية الكريمة دلالة واضحة أن جميع أقوالنا وأفعالنا لا تخرُج عن حالين أبدًا: فإما الشكر أو الكفر، والمقصود بالكفر (كفر النعم).
وذكر الله وشكره يكون باللسان، والأفعال، والمشاعر بالقلب طوال العمر؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
وأعظم الذِّكر والشكر هو توحيد الله وإفراده بالعبادة، وأعظم الكفر هو الإشراك بالله.
قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
وإن أداء أركان الإسلام من أعظم الذكر والشكر، وتركها أو إهمالها غفلة وكفر بالنعمة.
فقد صح عند البخاري أنَّ اللهَ قالَ: ((مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه)).
وصلة الأرحام ذكر وشكر لله، وقطيعة الأرحام غفلة وكفر بالنعم، وقاطعُ الرحم ملعونٌ مطرود من رحمة الله، وأَصَمُّ فلا يسمع الحق ولا يعمل به، وأعمى لا يرى الحق ولا يعمل به؛ قال الله تعالى: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ [محمد: 22، 23].
ومِن ذكر الله سبحانه وتعالى وشكره أداءُ ما أمَرَ به وما أمر به رسلُه، وترك ما نهيا عنه.
وأكل الحلال مِن شكر الله وذكره، وأكل الربا من كفر النعم.
وهكذا، فإن فعل الطاعات هي من شكر الله وذكره، وإن فعل المعاصي والاستمرار عليها والمجاهرة بها من كفر النعم.
ومن ذكر الله وشكره قراءة القرآن والعمل به، وتعلمه وتعليمه؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
وإن هجر القرآن الكريم من الكفر بالنعمة.
ومن الذكر والشكر لله أداء الأعمال بإتقان وأمانة وإخلاص، ومن كفر النعم الإهمال في العمل والتساهل والتطفيف.
ومن ذكر الله وشكره أذكار الصباح والمساء، والدعاء والتسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل والحوقلة، سواء المطلق أو المقيَّد بأماكن وأزمنة محددة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن الذكر لله والشكر له أن نستغفر الله سبحانه وتعالى ونتوب إليه إذا أصبنا شيئًا من الذنوب والآثام؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135].
ويستطيع المسلم أن يذكُرَ اللهَ حتى بعد موته؛ قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِذَا مَاتَ ابنُ آدمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أيها المسلمون:
إن الإنسانَ فقير إلى الله، والله هو الغني الحميد، وهو مالك الملك، يعطينا أجورًا جليلة على أعمالنا القليلة، وهو يستحق الذكر والشكر على نعمه التي لا تُعَدُّ ولا تحصى.
فله الحمد حمدًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمدًا يوازي نعمه، ويكافئ مزيده.
يا عباد الله:
إن أعظم وأجمل وأكمل ما في هذه الحياة هو ذكر الله وشكره، وسينقسم الناس في يوم القيامة إلى فريقين فقط: فريق في الجنة، وفريق في السعير.
والقاعدة التي نخلص إليها من هذه الخطبة هي:
أن كل كلمة نقولها، وكل فعل نفعله في هذه الحياة، إما يُسجَّل في صفحة حسناتنا، أو في صفحة سيئاتنا، وسيأتي يوم القيامة وتُنشَر لنا كتُبُنا، فإما أن نكون من أصحاب اليمين الذاكرين الشاكرين، وإما أن نكون من أصحاب الشمال الغافلين الكافرين بالنعمة، وبعد ذلك توزن الأعمال، فإما أن ترجح الموازين فنكون من أهل الجنة، أو تطيش فنكون من أهل النار؛ قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ [القارعة: 6-11].
ثم يحكُمُ الله في شأننا، فيقضى بنا إما إلى نارٍ حرُّها شديد، وقعرها بعيد، أو إلى جنة عرضها السماوات والأرض أُعِدَّتْ للمتقين، فيها ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
ونُزحزَح عن النار وندخل الجنة بلطف الله ورحمته، وليس بأعمالنا.
جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة!
عباد الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارِكْ على محمد وآل محمد، كما باركتَ على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم إنَّا نسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد،
يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الجلال والإكرام، اغفر لنا وارحمنا و....
إخواني:
اسمعوا وصية محمد صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل واعملوا بها، وأَوصُوا بها كل الناس.
فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِيَدِهِ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ: ((يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ)).
فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ! وَأَنَا - وَاللهِ - أُحِبُّكَ.
قَالَ: ((أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لا تَدَعَنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ))؛ رواه أبو داود، والنَّسائي -واللّفظ له-، وابن خزيمة، وابن حبَّان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشَّيخين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة فـ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].