الدعاء فضائل وآداب

الوصف: ١-مقدمة عن أهمية وفضائل الدعاء.٢-لماذا تتأخر إجابة الدعاء؟٣-أوقات وأحوال إجابة الدعاء.(الهدف من الخطبة):


صورة القسم 1

الدعاء فضائل وآداب


١- مقدمة عن أهمية وفضائل الدعاء.
٢- لماذا تتأخر إجابة الدعاء؟
٣- أوقات وأحوال إجابة الدعاء.

(الهدف من الخطبة):

التذكير بأهمية وفضائل الدعاء، والرد على شبهة تأخر إجابة الدعاء، مع بيان الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء؛ بتقسيمة خماسية شملت غالب أحوال وأوقات إجابة الدعاء.


مقدمة ومدخل للموضوع:
فإن من أعظم نِعَمِ المولى سبحانه وتعالى التي يتفضَّل بها على عباده قوله تعالى:
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].


فسبحانه ذي الكرم والجود العظيم؛ جعل سؤال عبده له، وطلبه قضاء حوائجه عبادةً يُؤجَر عليها.


فقد روى الترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدعاء هو العبادة)).


والمعنى أنك تتقرب إلى الله تعالى بسؤالك إياه وطلب قضاء حوائجك.

 

وجعل سبحانه وتعالى عدم سؤال العبد له مذمومًا؛ فقد ذمَّه بأبلغِ أنواع الذم:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].


بل إن الله تعالى يغضب إذا ترك العبدُ سؤالَه:
ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لم يسألِ اللهَ يغضب عليه))؛ [رواه أحمد].


وفي الحديث الآخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء)).


رأى أحد الصالحين رجلًا يتردد على أبواب الملوك، ويسألهم من عطاياهم، فقال له: "ويحك، تأتي مَن يُغلِق عنك بابه، ويُظهِر لك فقره، ويُواري عنك غِناه، وتَدَعُ من يفتح لك بابه، ويُظهر لك غِناه، ويقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]".


فإن الله سبحانه وتعالى هو القادر على جلب جميع المصالح ودفع جميع المضار:
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].


ولو أنه استجاب لجميع خلقه فلا ينقص من ملكه شيء:
((يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر)).


الدعاء باب عظيم من أبواب تفريج الكربات، وقضاء الحاجات:
فكم من مريض شُفي بالدعاء!
وكم من مكروب ومهموم زال همه بالدعاء!
وكم من فقير أغناه الله تعالى عندما دعاه!
وكم من غائب رجع إلى أهله بالدعاء!
وكم من مذنب وعاصٍ غُفر له بالدعاء!
وكم من ضالٍّ منحرف رجع إلى طريق الهداية بالدعاء!
وكم من ميت في قبره يحتاج إلى الدعاء، أو رُفعت درجته بالدعاء!
فهل شُفيَ أيوب عليه السلام إلا بالدعاء؟


﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83].


فكانت الإجابة: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84].


وهل رُزِقَ زكريا عليه السلام بنعمة الولد بعد أن بلغ من العمر عتيًّا إلا بالدعاء؟


﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء: 89].


﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4].


فكانت الإجابة: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 90].


وهل خرج يونس عليه السلام من بطن الحوت إلا عندما دعا ربه وناجاه؟


﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87].


فكانت الإجابة: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].


وهذا النبي صلى الله عليه وسلم يومَ بدر عندما جمع الله تعالى بينه وبين عدوه بلا ميعاد:
﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9].


فإذا تراكمت عليك الهموم والأحزان، فعليك برفع يديك إلى السماء، واطلب من ربك، وألحَّ عليه في الدعاء، وتوسَّل إليه بأسمائه الحسنى.


((أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحًا)).


إذا تراكمت عليك الديون، فعليك بالدعاء.


فقد روى الترمذي في سننه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعنِّي، قال: ألَا أعلمك كلمات علَّمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل ثبير دينًا، أدَّاه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك)).


وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يُقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتْني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي، وقضى ديني)).


إذا استصعبت أمرًا وشقَّ عليك بالدعاء:
قل: ((اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا)).‏


إذا كنت في حيرة من أمرك، لا تدرى ماذا تفعل، فعليك بالدعاء.


وقل: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علَّام الغيوب)).


ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى في كل أحواله.
إذا دخل المسجد أو خرج منه.
إذا ركب دابته مسافرًا.
إذا أحس وجعًا أو ألمًا في بدنه.


ولكن اعلم أن للدعاء شروطًا وآدابًا؛ حتى يكون دعاءً مستجابًا:
1- إخلاص الدعاء لله عز وجل.
﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر: 14].


﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].


وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18].

 

2- طيب المطعم؛ فإنَّ نقيض ذلك من أسباب رد الدعاء:
فقد استبعد النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابة لمن أكل وشرب ولبس الحرام؛ كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة: ((ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعثَ أغبرَ يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك)).


3- اليقين والثقة في موعود الله جل في علاه:
فقد روى الترمذي والحاكم وحسنه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً مِن قلب غافل لاهٍ)).


وهنا وقفة مهمة جدًّا؛ وهي أن كثيرًا مِنَ الناس مَن يقول: دعوت ولم يُستجَبْ لي، لم أجد أثرًا للدعاء؟!


أولًا: نوقن جميعًا أن الله تعالى هو أصدق القائلين.


ثانيًا: تأمل معي هذا الحديث العظيم:
فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلم يدعو ليس بإثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها، قال الراوي: إذًا نُكْثِر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكثر)).


قال ابن حجر: "كل داعٍ يُستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه".


ثالثًا: قد يتأخر الجواب؛ وذلك لِحِكَمٍ لا يعلمها إلا الله تعالى؛ فمنها:
١- أن الله تعالى يستجيب لمن يشاء:
فإن المطلق في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].


مقيدٌ بقوله تعالى: ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 41].


فردَّ إجابة الدعاء إلى المشيئة؛ لأنه سبحانه هو الخالق المدبر لأمر هذا الكون، وهو العليم بأحوال خلقه.


٢- العبد قاصر الفَهم قد يدعو بشيء ويكون فيه ضرر عليه:
﴿ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].


﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].


فقد يدعو أن يرزقه الله مبلغًا من المال وتتأخر الإجابة؛ لعلم الله تعالى وحكمته.


٣- قد يتأخر الجواب حتى تدعو وتلح في الدعاء، وتُظهر فقرك وحاجتك لسيدك ومولاك.
فقد روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا)).


قال ابن القيم رحمه الله في (الداء والدواء): "ومن أنفع الأدوية الإلحاح في الدعاء".


٤-وقد يتأخر الجواب؛ لكى يفتش العبد في نفسه لعله ظلم، أو أذنب، فتحصل منه التوبة.


٥-أن العبد قد يستعجل؛ فيُحرم إجابة الدعاء.


ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يَدْعُ بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أرَ يستجيب لي، فيستحسر – أي: فينقطع عن الدعاء ويتركه - عند ذلك ويدع الدعاء)).


وفي رواية: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجَلْ يقول: دعوت فلم يُستجَب لي)).


نسأل الله العظيم أن يوفقنا جميعًا للدعاء، وأن يفتح لدعواتنا أبواب السماء.


الخطبة الثانية

أوقات وأحوال إجابة الدعاء:
أولًا: الأحوال والأوقات المتعلقة بشهر رمضان:
فإن دعاء الصائم مستجاب حال صيامه.


فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات لا تُرَدُّ: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم ودعوة المسافر))؛ [رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].


وفي رواية: ((والصائم حتى يفطر)).

 

ويتأكد ذلك عند الفطر:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن للصائم عند فطره دعوةً لا تُرَدُّ)).


كما يتأكد في ليلة القدر:
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما سألته: ((أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني)).


ثانيًا: الأحوال والأوقات المتعلقة بالصلاة:
فمنها عند النداء للصلوات المكتوبة:
كما في حديث سهل بن سعد مرفوعًا: ((ثِنتان لا تُرَدَّان - أو قلما تردان - الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضًا))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع].


ومنها بين الأذان والإقامة:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يُرَدُّ الدعاء بين الأذان والإقامة))؛ [رواه أبو داود والترمذي].


ومنها الدعاء في السجود:
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء))؛ [رواه مسلم].


ومنها دُبُر الصلوات المكتوبات:
كما في حديث أبي أمامة: ((قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي].


وقد اختُلف في دبر الصلوات، هل هو قبل السلام أو بعده؟ واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أنه قبل السلام.


وقال الشيخ العثيمين: "ما ورد من الدعاء مقيدًا بدبر الصلاة فهو قبل السلام، وما ورد من الذكر مقيدًا بدبر الصلاة فهو بعد الصلاة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ ﴾ [النساء: 103].


ثالثًا: الدعاء المستجاب من أشخاص معينين:
فمنهم دعاء المسافر، ودعاء الوالد لولده أو عليه:
ففي الحديث الصحيح: ((ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده))؛ [رواه الترمذي والبخاري في صحيح الأدب المفرد].


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات لا تُرَدُّ: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر))؛ [رواه البيهقي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].


ومنها دعوة المظلوم:
كما في الصحيحين: ((واتَّقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا؛ ففجوره على نفسه))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع].


ومنها دعاء المكروب:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لم يَدْعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع].


قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]: "في هذه الآية شَرَطَ الله لمن دعاه أن يجيبه كما أجابه، وينجيه كما نجاه؛ وهو قوله: ﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88]".


ومنها دعاء من أُصيب بمصيبة:
ففي صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها)).


ومنها دعاء الولد الصالح لوالديه:
كما في صحيح مسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم يُنتفَع به)).


ومنها دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب:
ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبدٍ مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولك بمثل)).


ومنها دعاء من استيقظ وتعارَّ من الليل:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تعارَّ - أي: استيقظ - من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استُجيب له، فإن توضأ وصلى قُبلت صلاته)))؛ [رواه البخاري].


رابعًا: الدعاء المستجاب في أوقات معينة:

فمنها الدعاء في جوف الليل، ووقت السَّحَر؛ وهو وقت النزول الإلهي:
كما في الحديث الصحيح يقول الله تعالى: ((من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟)).


وفي الحديث: ((إن في الليل ساعة لا يوافقها مسلم يسأل خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة)).


ومنها الساعة الأخيرة من يوم الجمعة:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الجمعة: ((فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا، إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها))؛ [رواه البخاري ومسلم].


ومنها الدعاء بعد زوال الشمس قبل الظهر:
فعن عبدالله بن السائب رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعًا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وقال: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني في المشكاة].


خامسًا: الدعاء المستجاب في أحوال متفرقة:
فمنها عند نزول الغيث:
كما في حديث سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثنتان ما تردان الدعاء عند النداء وتحت المطر))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع].


ومنها عند شرب ماء زمزم:
فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ماء زمزم لِما شُرب له))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع].


ومنها عند سماع صياح الديكة:
ففي الحديث الصحيح: ((إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله، فإنها رأت ملكًا))؛ [رواه البخاري].


ومنها الدعاء عند المريض:
فقد روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا حضرتم المريض، فقولوا خيرًا؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون، قالت: فلما مات أبو سلمة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أبا سلمة قد مات، فقال لي: قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبى حسنة، قالت: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه؛ محمدًا صلى الله عليه وسلم)).


ومنها الدعاء بعد قبض روح الميت:
ففي صحيح مسلم عن أم سلمة: ((أن النبي صلى الله دخل على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال: إن الروح إذا قُبض تبِعه البصر، فضجَّ ناس من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون)).

نسأل الله العظيم أن يتقبل دعاءنا وصيامنا وسائر أعمالنا.