فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
الوصف: الحمد لله الذي شرَّف قدر سيدنا محمد الرسول الكريم، وخصنا بالصلاة عليه، وأمرنا بذلك في القرآن الحكيم، ومنَّ علينا باتباع هذا النبي الرحيم، وحبَّب إلينا اقتفاء آثاره في القديم والحديث، وخصَّ أهل هذا الشأن – أصحاب الحديث - بالخصال الجميلة والفضل الجسيم، وجعلهم أَولَى الناس برسوله السيد العظيم؛ لإكثارهم كتابة وقراءة وسماعًا من الصلاة والتسليم عليه، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه أولي الفضل العميم، صلاة وسلامًا دائمين يضيء نورهما جنح الليل البهيم؛أما بعد:
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي شرَّف قدر سيدنا محمد الرسول الكريم، وخصنا بالصلاة عليه، وأمرنا بذلك في القرآن الحكيم، ومنَّ علينا باتباع هذا النبي الرحيم، وحبَّب إلينا اقتفاء آثاره في القديم والحديث، وخصَّ أهل هذا الشأن – أصحاب الحديث - بالخصال الجميلة والفضل الجسيم، وجعلهم أَولَى الناس برسوله السيد العظيم؛ لإكثارهم كتابة وقراءة وسماعًا من الصلاة والتسليم عليه، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه أولي الفضل العميم، صلاة وسلامًا دائمين يضيء نورهما جنح الليل البهيم؛ أما بعد:
فيا عباد الله، خافوا الله واتقوه، وتأهَّبوا للقائه، واعملوا بطاعته، وانتهوا عن معصيته؛ بذلك أمركم ربكم فقال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]؛ أما بعد:
فإن الله بقدرته وسلطانه، ورأفته وإحسانه، بعث سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم، بالدين القويم، والمنهج المستقيم، والخُلُق العظيم، والخَلْق السليم، وأرسله رحمة للعالمين، ونجاة لمن آمن به من الموحدين، وإمامًا للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، وشفيعًا في المحشر، ومفخرًا للمعشر، ومزيلًا للغمة، عن جميع الأمة، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به لأقوم الطرق وأوضح السبل، وافترض على العباد طاعته وتعزيزه، وتوقيره ورعايته، والقيام بحقوقه، وامتثال ما قرره في مفهومه ومنطوقه، والصلاة عليه والتسليم، ونشر شريعته بالعلم والتعليم، وجعل الطرق مسدودة عن جنَّته، إلا لمن سلك طريقه واعترف بمحبته، وشرح له صدره، ورفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وجعل الذِّلَّة والصَّغار على من خالف أمره، فيا سَعَة من وُفِّق لذلك، ويا ويح من قصر عن هذه المسالك[1].
وإن من أعظم حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته كثرةَ الصلاة والسلام عليه؛ فقد أمرنا ربنا تبارك وتعالى بذلك؛ فقال جل شأنه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه - يعني تدعو له - ثم أمر تعالى أهل العالم السفليِّ بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالَمَيْنِ العلوي والسفلي جميعًا.
وإن للصلاة على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فضائلَ عظيمة؛ أذكر شيئًا منها على سبيل الاختصار؛ تذكرة لأولي العظة والاعتبار؛ فمن ذلك:
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم:
• امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم:
ففي صلاتك على النبي محمد صلى الله عليه وسلم امتثالٌ لأمر الله ولأمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فعن كعب بن عجرة قال: ((لما نزلت: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، قال: قلنا: يا رسول الله، قد علِمنا السلام، فكيف الصلاة عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد))[2].
• الملائكة تصلي على من يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فالملائكة تدعو وتستغفر لمن يصلي ويسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في مسند الإمام أحمد بإسناد حسن من حديث عامر بن ربيعة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((من صلى عليَّ صلاة لم تزلِ الملائكة تصلي عليه ما صلى عليَّ، فليُقِلَّ عبدٌ من ذلك أو ليُكْثِر))[3].
• أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم أكثرهم عليه صلاة:
فعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاةً))[4].
ومعنى ذلك أن المكثرين من الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وأولاهم بشفاعته، وأحقهم بالإفاضة من أنواع الخيرات ودفع المكروهات؛ قال الإمام ابن حبان في صحيحه في معنى ((أولى الناس بي)): "أي: أقربهم منه في القيامة، قال: وفيه بيان أن أولاهم به صلى الله عليه وسلم فيه أصحاب الحديث؛ إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم"[5].
• كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبب لمغفرة الذنوب وكشف الهموم:
فعن أُبَيِّ بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال: ((يا أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت: يا رسول الله، إني أُكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت، قال: قلت: الربع، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت: فالثلثين، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: «إذًا تُكفى همك، ويُغفَر لك ذنبك))[6].
والمراد بالصلاة هنا الدعاء، وليس المراد الصلوات ذات الأذكار والأركان، فاشتغال الرجل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يكفي في قضاء حوائجه ومهماته، وفي هاتين الخصلتين – أي: كفاية الهمِّ، ومغفرة الذنب - جماع خيري الدنيا والآخرة، فإنَّ من كفاه الله همه سلِم من محن الدنيا وعوارضها؛ لأن كل محنة لا بد لها من تأثير الهم، وإن كانت يسيرة، ومن غفر الله ذنبه، سلم من محن الآخرة؛ لأنه لا يُوبَق العبد فيها إلا بذنوبه.
هل تعلم أخي الكريم ما فائدة أن يصلي الله عليك؟
الفائدة أن يخرجك الله من كل ضيق، وكل مصيبة، وكل مشكلة؛ يقول الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، فكل مشكلة ظلمةٌ، فإذا أصابك شيء من ذلك، فالزم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يخرجك الله من هذه الظلمة.
وقد جاء في الحديث أيضًا عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى عليَّ واحدة، صلى الله عليه عشرًا))[7].
قصة عجيبة؛ هناك شيخ معاصر يحكي أنه أُجريت له عملية قلب مفتوح، وبعدما أفاق من المخدِّر (البنج)، لاحظ الممرض الخاص به شيئًا غريبًا على الأجهزة، فاستدعى الأطباء واحدًا تلو الآخر، حتى اجتمع نحوًا من أربعة عشر طبيبًا، ولما نظروا إلى الأجهزة تغيرت وجوههم فاستدعوا طبيًا آخر سودانيًّا، فتبيَّن له أن هناك دمًا متجمعًا على القلب، فقال للمريض: لا بد أن ترجع مرة أخرى إلى غرفة العمليات لنفتح القلب مرة أخرى ونزيل هذا الدم، فنزل هذا الخبر على المريض كالصاعقة، وفي هذه اللحظة وقبل أن يعدوا المريض لغرفة العمليات، كانت هناك ممرضة لبنانية واقفة، فقالت للمريض: "صلِّ على النبي وستفرج"، فقال المريض في التوِّ واللحظة: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، وفجأة نزل هذا الدم الذي كان متجمعًا على القلب، وتعجب الأطباء كلهم وقال الطبيب السوداني للمريض: يا شيخ، الدم الذي كنا نريد أن نخلصك منه قد خلَّصك الله منه!
فانظر أخي الكريم إلى زوال الكرب والهمِّ بالصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
• أربع جوائز مجتمعة بصلاة واحدة:
لك أن تتخيل - أخي الكريم - أنك لو صليتَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، فلك أربع جوائز وهبات عظيمة من الله تعالى؛ فعن أبي طلحة الأنصاري قال: ((أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا طيبَ النفس يُرى في وجهه البِشْرُ، قالوا: يا رسول الله، أصبحت اليوم طيب النفس، يرى في وجهك البشر، قال: أجل، أتاني آتٍ من ربي عز وجل، فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وردَّ عليه مثلها))[8].
الله أكبر ولله الحمد، ما أعظم فضل الله، وطيب عطائه! بصلاة واحدة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تتحصل على كل هذه الهبات العظيمة؛ ومعنى قوله: ((وردَّ عليه مثلها)) أن الله سبحانه يصلي على عبده فيرحمه ويضاعف أجره، أو يثني عليه ثناء عظيمًا، والجزاء من جنس العمل، فمن أثنى على رسوله، جازاه بمثل عمله بأن يثنيَ عليه، فيا لها من بشارة ما أسناها!
أيها المباركون، هذه بعض الفضائل التي يتحصل عليها أهل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك غير ذلك مما يعلمه الله، وقد جاء في الأخبار الصحيحة التحذيرُ والترهيب من الغفلة عن الصلاة والسلام على البشير النذير؛ فمن ذلك:
الترهيب من ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
• ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخل قبيح:
فعن حسين بن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البخيل الذي من ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ))[9]، فالبخيل الكامل في البخل مَن سمِع اسم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصلِّ عليه، نعم، هو بخيل؛ لأنه بخل على نفسه؛ حيث حرمها صلاة الله عليه عشرًا إذا هو صلى واحدة؛ قال الإمام الفاكهاني: "وهذا أقبح بخل، وأشنع شحٍّ لم يبقَ بعده إلا الشح بكلمة الشهادة"[10].
• الذلة والصغار على من ترك الصلاة على سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم:
فمن سمع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصلِّ عليه، فقد باء بالذل والصغار، ورغم أنفه؛ فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رغم أنف رجل ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ...))[11]، ومعنى هذا الكلام الخطير أن تارك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سماع اسمه يلحقه ذلٌّ وخزي؛ مجازاة له على ترك تعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاب وخسر من قدر أن ينطق بأربع كلمات توجب لنفسه عشر صلوات من الله، ورفع عشر درجات، وحط عشر خطيئات، فلم يفعل؛ لأن الصلاة عليه عبارة عن تعظيمه، فمن عظَّمه عظَّمه الله، ومن لم يعظمه، أهانه الله، وحقَّر شأنه.
• من ترك الصلاة فقد خطِئ طريق الجنة:
هل استوعبت ذلك؟! من ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ضلَّ عن طريق الجنة، نعم؛ فعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نسِيَ الصلاة عليَّ، خطِئ طريق الجنة))[12]، نعم، خاب قصده من بخِل على نفسه بما يقربه إلى الجنة، ومن أخطأ طريقها، لم يبقَ له إلا الطريق إلى النار.
• يا حسرة على من ترك الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا حسرة على العباد، وا أسفًا على من خَلَتْ مجالسهم عن ذكر الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي خزي وندامة على هؤلاء؟!
فعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم تِرَةٌ[13]، فإن شاء عذَّبهم، وإن شاء غفر لهم))[14].
أيها الإخوة، مَن يتحمل بعد ذلك أن يسمع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصلي عليه، بعدما سمع هذه الحسرات العظيمة على تارك الصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟!
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله ومن والاه؛ أما بعد:
فاعلموا - رحمني الله وإياكم - أن هناك مواطنَ تُشرع فيها الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمن ذلك:
مواطن قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة، فمنها واجب، ومنها مستحب:
• بعد النداء للصلاة:
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سَلُوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلَّت له الشفاعة))[15].
• عند دخول المسجد والخروج منه:
فعن فاطمة الزهراء رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد، قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج، قال: بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك))[16].
• في صلاة الجنازة:
فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب، وفي الثانية أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثالثة يدعو للميت، وفي الرابعة يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.
فقد قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن السُّنَّة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرًّا في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويخلص الدعاء للجنازة، وفي التكبيرات لا يقرأ في شيء منها، ثم يسلم سرًّا في نفسه))[17].
وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح.
• في الصلاة بعد التشهد:
فيُسَنُّ للمصلي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد الأول، ويجب ذلك بعد التشهد الأخير، وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي وغير واحد من العلماء؛ لحديث فضالة بن عبيد، رضي الله عنه، قال: ((سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته، لم يمجِّدِ الله، ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجِل هذا، ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله عز وجل، والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي، ثم ليَدْعُ بعد بما شاء))[18].
• في صلاة العيد:
عن علقمة: ((أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة يومًا قبل العيد، فقال لهم: إن هذا العيد قد دنا، فكيف التكبير فيه؟ قال عبدالله: تبدأ فتكبِّر تكبيرة تفتتح بها الصلاة، وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو، وتكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ، ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو وتكبر، وتفعل مثل ذلك، ثم تركع، فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبدالرحمن))[19].
• يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
فعن عمر بن الخطاب قال: "الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد حتى تصلي على نبيك"[20].
• في آخر دعاء القنوت:
فعن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: ((علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت))[21].
وزاد النسائي في سننه بعد هذا: ((وصلى الله على النبي محمد)).
• يستحب الإكثار من الصلاة عليه في يوم الجمعة وليلة الجمعة:
فعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أَرَمْتَ؟ يعني: وقد بليت - قال: إن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء))[22].
• في خطبتَي الجمعة:
فيجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك؛ لأنها عبادة، وذكر الله فيها شرط، فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها؛ كالأذان، والصلاة؛ هذا مذهب الشافعي وأحمد، رحمهما الله[23].
• يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم:
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يسلم عليَّ إلا ردَّ الله عليَّ روحي، حتى أرد عليه السلام))[24].
• بعد الفراغ من التلبية:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "قال أصحابنا (يعني الشافعية): ويستحب للمحرم إذا لبى وفرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لِما روي عن... القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال: ((كان يؤمر الرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم على كل حال))"[25].
أيها الإخوة الكرام:
ومما ينبغي التنبيه عليه عدم إفراد الصلاة دون السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال الإمام النووي رحمه الله: "إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فليجمع بين الصلاة والتسليم، فلا يقتصر على أحدهما، فلا يقول: (صلى الله عليه فقط)، ولا (عليه السلام) فقط".
قال الحافظ ابن كثير: "وهذا الذي قاله منتزع من هذه الآية الكريمة؛ وهي قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، فالأولى أن يُقال: صلى الله عليه وسلم تسليمًا"[26].
وينبغي كذلك عدم اختصار الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الكتابة؛ فقد نص العلماء على كراهة ذلك، فقالوا: ويكره أن يرمز للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخط بأن يقتصر من ذلك على حرفين، ونحو ذلك، كمن يكتب (صلعم) يشير بذلك إلى الصلاة والتسليم.
وقد قال حمزة الكناني: "كنت أكتب عند ذكر النبي: (صلى الله عليه)، ولا أكتب (وسلم)، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: ما لك لا تتم الصلاة عليَّ؟ قال: فما كتبت بعد ذلك: (صلى الله عليه)، إلا كتبت: (وسلم)".
عباد الله، أكثروا دائمًا وأبدًا من الصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه، فالصلاة عليه - كما سمعتم - بها تُفرج الهموم، وتُغفر الذنوب، وتُرفع الدرجات، وتُحط الخطيئات، ويصلي عليكم رب الأرض والسماوات.
وأسأل الله أن يغفر للمسلمين والمسلمات، وأسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
[1] القَولُ البَدِيعُ 9-10.
[2] سنن الترمذي برقم (483)، وقال: "حديث حسن صحيح".
[3] المسند، ح 15680.
[4] موارد الظمآن ح 2389، وقال محققه: إسناده حسن، وصححه ابن حبان.
[5] الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (3/ 193)، رقم (911).
[6] سنن الترمذي ح 2457، وقال: هذا حديث حسن.
[7] صحيح مسلم ح 408.
[8] المسند ح 16352، وجوَّد إسناده العماد ابن كثير في تفسيره 6/ 466.
[9] سنن الترمذي ح 3546، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.
[10] فيض القدير 3/ 216.
[11] سنن الترمذي ح 3545، وقال: هذا حديث حسن غريب.
[12] سنن ابن ماجه ح 908، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح، وقال الحافظ في الفتح (11/ 168) بعد ذكر طرق له: "وَهَذِهِ الطُّرُقُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا".
[13] ومعنى قوله: تِرَة: يعني: حسرة وندامة.
[14] سنن الترمذي ح 3380، وقال: هذا حديث حسن.
[15] صحيح مسلم ح 384.
[16] (صحيح)؛ انظر حديث رقم: 4714/1 في صحيح الجامع.
[17] الأم (1/ 239).
[18] سنن أبي داود برقم (1481)، وسنن الترمذي برقم (3477) وصححه، وسنن النسائي (3/ 44).
[19] قال العماد ابن كثير في تفسيره (6/ 472): إسناد صحيح.
[20] سنن الترمذي برقم (486).
[21] المسند (1/ 199)، وسنن أبي داود برقم (1425) وغيرهم.
[22] المسند (4/ 8)، وسنن أبي داود برقم (1047)، وسنن النسائي (3/ 91)، وسنن ابن ماجه برقم (1636)، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، والنووي في الأذكار.
[23] تفسير القرآن العظيم 6/ 474.
[24] سنن أبي داود برقم (2041)، وصححه النووي في الأذكار.
[25] تفسير القرآن العظيم 6/ 476.
[26] المصدر السابق 6/ 479.