كُنوز الخيرات في الصَّلاةِ والسَّلامِ على خيرِ البريَّاتِ

الوصف: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا،أمَّا بعد:


صورة القسم 1

كُنوز الخيرات في الصَّلاةِ والسَّلامِ على خيرِ البريَّاتِ


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهَد أنَّ سيدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أمَّا بعد:

فيا أيُّها الحبيبُ، هل عندكَ همومٌ وكروبٌ وأحزانٌ؟ هل لديكَ أمنياتٌ وطلباتٌ وأشجانٌ؟ وهل تريدُ مغفرةَ الذُّنوبِ والخطايا والسيئاتِ؟ وتُحِبُّ أن تضعَ عن ظهرِكَ الأوزارَ والمُوبقاتِ؟

 

فيا غريق بحر العصيان، وأسير النفس والشيطان، والمتورِّط في الكرب والبلاء، والمتألم بالآلام والأدواء، اعلم أن الله شرَّع لك كنزًا يدفعُ عنك الأهوال حالًا ومآلًا؛ كنزًا عظيمًا من كنوز الخيراتِ وبابًا واسعًا طالما غفل عنه المشمِّرون، وتهاون به الجفاة البخيلون؛ بل ربما وصل الحال بكثير من المقتصدين ومن السابقين في الخيرات إلى التقصير فيه؛ هذا الكنز وهذا الباب عباد الله هو وصية رب العالمين، قال اللَّهُ تَعَالَى في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

الله عظَّمَ قَدْرَ جاهِ محمَّدٍ
وأنالهُ فضْلًا لديْهِ عظيما
في مُحكَمِ التنزيلِ قال لِخَلْقِهِ
صلُّوا عليْهِ وسَلِّموا تسْليما

 

إنه كنز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فكم فيه من فضائل؟ وكم عُني به السابقون الأوائل؟ فلله درُّه! كم صح فيه من الأخبار ما هو حريٌّ بأن يحفِّز كلَّ ذي قلب حي إلى المسارعة في هذا الباب ليحظى عند الله بحُسْن الثواب.

 

إنَّ الصلاةَ على النبيِّ غنيمةٌ
مَنْ حازَها حازَ الكرامةَ وامْتَلكْ
فُز بالصلاة على النبيِّ مُرَدِّدًا
صلى عليه اللهُ ما دارَ الفلكْ

 

فمَن يُريدُ رفيعَ الدرجاتِ، ويبحثُ عن وفيرِ الحسناتِ، ويتمنَّى الخَلاصَ من السيئاتِ، ويتمنَّى إزالة الهموم والكربات؛ فعليه بالصَّلاةِ والسَّلامِ على النبي صلى الله عليه وسلم:

إذا كنت في ضيقٍ وهَمٍّ وفاقةٍ
وأمسيت مكروبًا وأصبحت في حَرجِ
فصَلِّ على المختارِ من آل هاشم
كثيرًا فإنَّ اللَّهَ يأتيكَ بالفَرَجِ

 

فقد روى الترمذيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْب قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا الله جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ))، قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: ((مَا شِئْتَ))، قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: ((مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: ((مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ))، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا، قَالَ: ((إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ))؛ (حديث حسن)، (صحيح الترمذي للألباني).

 

قال الإمَامُ المنذري رَحِمَهُ اللهُ: قَوْله: "فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي"، مَعْنَاهُ: إني أكثرُ الدُّعَاء، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِن دعائي صَلَاةً عَلَيْك؟ (الترغيب والترهيب للمنذري).

 

قال المباركفوري رَحِمَهُ اللهُ: "أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا"؛ أَيْ: أَصْرِفُ بِصَلَاتِي عَلَيْكَ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْتُ أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي، قوله: ((قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ))؛ يَعْنِي إِذَا صَرَفْتَ جَمِيعَ أَزْمَانِ دُعَائِكَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ أُعْطِيتَ خَيْرَي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ (تحفة الأحوذي).

وروى النَّسَائيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ))؛ (حديث صحيح)، (صحيح النسائي للألباني)، وفي رواية: ((كتبَ اللهُ له بها عشرُ حسناتٍ، ومُحي عنه عشرُ سيئاتٍ، ورُفِع له عشر درجات، ورُدَّ عليه مثلها)).

 

أيُّها الحبيبُ، وإن أردت أن يُجابَ دعاؤكَ، فعليك بالصَّلاةِ والسَّلامِ على النبي صلى الله عليه وسلم: فعن فَضَالَة بْن عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ: "سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((عَجِلَ هَذَا))، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ليُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ ليَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ))، فإذا افتتحتَ غاليَ الدعواتِ، بجميلِ الثَّناءِ والصَّلواتِ، فُتحتْ لك أبوابُ السَّمواتِ، واستُجيبَتْ لكَ الحاجاتُ؛ فالدعاء محجوب لا يُقبَل حتى يصلي العبد على نبيِّه صلى الله عليه وسلم؛ فقد صحَّ أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((كُلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتى يُصلِّي على النبيِّ))، وروى الترمذيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: ((إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني).

 

أيُّها الحبيبُ، وإذا أردت أن يُصلي اللهُ عزَّ وجلَّ عليك في السَّماواتِ، ويُثني عليك في الملأِ الأعلى بكلماتٍ مُباركاتٍ، فعليك بالصَّلاةِ والسَّلامِ على خيرِ البريَّاتِ؛ فقد روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا)).

 

وعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ نَخْلًا فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، حَتَّى خِفْتُ -أَوْ: خَشِيتُ - أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ تَوَفَّاهُ أَوْ قَبَضَهُ. قَالَ: فَجِئْتُ أَنْظُرُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: ((مَا لَكَ يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ؟))، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: ((إِنَّ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ لِي: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلِّيْتُ عَلَيْهِ، ومَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سلَّمْتُ عَلَيْهِ))؛ (أحمد والحاكم وصحَّحه).

 

وإذا أردْتَ أن يصلي الله عليك وملائكته سبعين صلاةً فعليك بالصَّلاةِ والسَّلامِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فعن عبدالله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: ((مَنْ صلَّى على رسول الله صلَّى الله عليه وملائكته سبعينَ صلاةً، فليُقِل من ذلك أو يُكثِر))؛ [رواه أحمد].

 

وروى أحمدُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا صَلَّى عَلَيَّ، فَلْيُقِلَّ عَبْدٌ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ))؛ (حديث حسن لغيره)؛ (مسند أحمد).

 

ويا من حُرمتَ في دنياكَ من رؤيةِ الحبيبِ صلى الله عليه وسلم ولم تقرَّ عينُك بالنَّظرِ إليه، ولم تهنأ بالقرِب منه، هل تعلم أنَّكَ تستطيعُ أن تكونَ معروفًا لديه، مذكورًا عندَه، وذلكَ لأنَّ اسمَكَ يُعرضُ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كلما صليتَ عليه، فعَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللهَ وَكَّلَ بِي مَلَكًا عِنْدَ قَبْرِي، فَإِذَا صَلَّى عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي، قَالَ لِي ذَلِكَ الْمَلَك: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانٍ صَلَّى عَلَيْكَ السَّاعةَ))؛ حسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة".

 

وروى النَّسَائيُّ عَن عَبْدِاللهِ بن مسعود أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ))؛ (حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني).

 

وروى أبو داود عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِن الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ))، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟- يَقُولُونَ بَلِيتَ- فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ))؛ (صحيح أبي داود للألباني).

 

وروى الطبرانيُّ عَن الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني).

 

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِن أحدٍ يسلِّمُ عليَّ إلَّا ردَّ اللَّهُ عليَّ رُوحي حتَّى أرُدَّ علَيهِ السَّلامَ))؛ [أبو داود] وصححه الألباني في صحيح الجامع.

 

أيُّها الحبيبُ، وإن أردت شفاعةِ الخليلِ عندَ خليلِه، فعليك بالصَّلاةِ والسَّلامِ على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي اليومِ الذي يقولُ فيه النَّاسُ: نفسي نفسي! يقولُ: - بأبي وأُمِّي عليه صلاةٌ وسلامٌ أتَّمانِ أكملانِ- ((أُمَّتي أُمَّتي!))، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ))؛ [رواه مسلم].

 

فالصَّلاةُ والسَّلامُ عليه، وسؤالُكَ لهُ الوسيلةَ، هي الطريقةُ التي تنالُ بها شفاعتَه، وتَرِدُ حوضَه، وتنعمُ بالقربِ منه، والانضمامِ تحتَ لوائه، فيا لها من كرامةٍ!

 

وروى الطبراني عَن أبي الدرداء أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا وَحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ (صحيح الجامع للألباني).

 

أيُّها الحبيبُ، وإن أردت أن تجوز الصراطِ، فعليك بالصَّلاةِ والسَّلامِ على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبدِالرحمنِ بنِ سمرةَ قال: خرجَ علينَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: ((إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا: رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي يَزْحَفُ عَلَى الصِّرَاطِ مَرَّةً، وَيَجْثُو مَرَّةً، وَيَتَعَلَّقُ مَرَّةً، فَجَاءَتْهُ صَلاتُه عَلَيَّ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَتْهُ عَلَى الصِّرَاطِ حَتَّى جَازَ))؛ (الطبراني وجامع المسانيد والسُّنَن لابن كثير)، وفي رواية: ((فجاءتْهُ صلاتُهُ عليَّ فأقامَتْهُ على قدمَيْهِ وأنقذَتْهُ))، قال ابن تيمية: وشواهد السُّنَّة تدل عليه.

 

أيُّها الحبيبُ، وإن أردت أن تكون من أقرب النَّاسِ منه يومَ القيامةِ، فعليك بالصَّلاةِ والسَّلامِ عليه صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))، و((أَوْلَى النَّاسِ بِي))؛ أَيْ: أَقْرَبُهُمْ مِنِّي، فيا من يريدُ المكانَ القريبَ، عليكَ بكثرةِ الصَّلاةِ والسَّلامِ على الحبيبِ.

 

وإذا أردت ألَّا تكون من البخلاء، فأكثِر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل تعلم مَن البخيلُ؟ روى الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني).

 

وكيفَ لا يكونُ بخيلًا مَن يحرم نفسَه من صَلاةِ المَلِكِ الجَبَّار، وشَفَاعَةِ النَّبِيِّ المُختَارِ، والاقتِدَاءِ بالمَلائِكَةِ الأبرَارِ، ومُخَالفَة المُنَافِقِينَ والكُفَّارِ، ومَحْوِ الخَطَايَا والأوْزَارِ، وقَضَاءِ الحَوَائِجِ والأوْطَارِ، والنَّجَاةِ من عَذابِ دَارِ البَوَارِ، ودُخُولِ دَارِ الرَّاحَةِ والقَرَارِ؟ ولذلك سيندمُ أشدَّ النَّدمِ حتى يلتصقَ أنفُه بالتُّرابِ، روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ))؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني).

 

وروى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ))؛ (حديث صحيح)، (صحيح الترمذي للألباني).

 

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ((ما اجتمعَ قومٌ ثم تفرَّقوا عن غير ذكر الله وصلاة على النبي إلا قاموا عن أنتن من جيفةٍ))، وفي رواية: ((ما قعدَ قومٌ مقعدًا لا يذكرون الله عز وجل ويصلون على النبي إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة))، وصَحَّ عنه صلوات الله وسلامه عليه قوله: ((مَنْ نَسِي الصلاةَ عليَّ، خَطِئَ طريقَ الجنة))؛ [رواه ابن ماجه]، فأكثروا من الصلاة والسلام على سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى وبعد:

أيها الأحِبَّة الكِرام، فما زلنا مع كنز الصلاة على الحبيب صلى الله عليه وسلم، فما معنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما هي صفتُها؟

معنى الصـلاة على النـبي صلى الله عليه وسلم: قَالَ أَبُو العَالِيَةِ رَحِمَهُ اللهُ: صَلاةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ المَلائِكَةِ، وَصَلاةُ المَلائِكَةِ: الدُّعَاءُ؛ (الملائكةُ تطلبُ مِنَ اللَّه الزيادة مِن ثنائه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم).

 

قَالَ عَبْدُالله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يُصَلُّونَ: يُبَرِّكُونَ (أي: يَدعون له بالبركة)؛ (البخاري، كتاب التفسير).

 

قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَعْظِيمُهُ، فَمَعْنَى قَوْلِنَا: (((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ))؛ أيْ: عَظِّمْ مُحَمَّدًا، وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ، وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِإِجْزَالِ مَثُوبَتِهِ وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ، وَإِبْدَاءِ فَضِيلَتِهِ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ؛ (فتح الباري للعسقلاني).

 

قال الإمَامُ ابنُ حَجَر العسقلاني رَحِمَهُ اللهُ: مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمُهُ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِ: طَلَبُ ذَلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ طَلَبُ الزِّيَادَةِ لَا طَلَبُ أَصْلِ الصَّلَاةِ؛ (فتح الباري، لابن حجر العسقلاني).

 

قال الإمَامُ ابنُ القيم رَحِمَهُ اللهُ: معنى صلاة اللَّه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم والعناية به، وإظهار شرفه، وفضله وحرمته، وصلاتنا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تعني أننا نطلب مِنَ اللَّه الزيادة في ثنائه عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وإظهار فضله وشرفه وتكريمه وتقريبه له؛ (جلاء الأفهام).

 

معنى التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم: التسليم: معناه السلام الذي هو اسْمٌ مِن أسماء اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومعنى التسليم أيضًا: لا خَلَوتَ يا محمد مِنَ الخيرات والبركات، وَسَلِمتَ مِنَ المكاره والآفات والنقائص، فعندما نقول: اللَّهُمَّ سَلِّم على محمد، فإنها تعني: اللَّهُمَّ اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة مِن كل نقص، فيزداد على مَرِّ الأيام عُلُوًّا، وأمته تكاثرًا، وذِكْره ارتفاعًا؛ (فضل الصلاة على النبي، عبدالمحسن العباد).

 

وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم (جلاء الأفهام) بعض المواضع التي يحسن بالمسلم ويستحب له فيها صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن المواضع التي يُستحَبُّ الصلاة فيها على النبي صلى الله عليه وسلم:

الصلاة عليه في آخر التشهُّد، وكذا في التشهُّد الأول، وعند آخر القنوت، وفي صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية، وفي الخطب والعيدين والاستسقاء، وعند إجابة المؤذِّن، وعند الإقامة والدعاء، وعند دخول المسجد والخروج منه، وعلى الصفا والمروة، وعند الاجتماع في المجلس وقبل التفرُّق منه، وعند ذكره صلى الله عليه وسلم وحال الوقوف عند قبره، ويوم الجمعة وليلتها، وعند الهَمِّ والشدائد وطلب المغفرة، وعند كتابة اسمه وإلقاء الدروس والتعليم والتذكير وكل موطن يُجتمع فيه لذكر الله.. إلى غير ذلك مما ذكره رحمه الله.

 

أيُّها الحبيبُ، ولقد وردت صِيغ الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، سَوْفَ نَـذْكُرُ بعضَها؛ فمن تلك الصيغ: روى الشيخانِ عَن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ))؛ (البخاري ومسلم).

 

وروى الشيخانِ عَنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قُولُوا: ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)).

 

وروى النَّسَائيُّ عَن زيد بن خارجة أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((صَلُّوا عَلَيَّ وَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، وَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ))؛ (حديث صحيح) (صحيح النسائي للألباني).

 

نسأل الله أن يُثبِّتَنا على منهجه، وأن يجعلنا من أتباعه، وأن يسقينا من حوضه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يغمرنا في زُمْرته، وأن يهدينا سُنَّتَه، وأن يوقظنا من غفلتنا باتِّباعه عليه الصلاة والسلام، وأقم ِالصلاةَ.