قل: الحمد لله
الوصف: 1-أهمية ومنزلة الحمد لله.
قل: الحمد لله
1- أهمية ومنزلة الحمد لله.
2- كنوز وفضائل الحمد لله.
3- الأحوال التي يشرع فيها قول: الحمد لله.
الهدف من الخطبة:
التذكير بفضائل وثمرات هذه الكلمة العظيمة: الحمد لله، وبيان المواضع والأوقات التي تُقال فيها.
(مستفاد من تفريغ خطبة لفضيلة الشيخ المربي/ علي غلاب حفظه الله، مع بعض الإضافات)
مقدمة ومدخل للموضوع:
يقول الله تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59]، وقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 93].
أيها الأخ الحبيب، قل: الحمد لله، وكن من الحامدين ولا تكن من الجاحدين، كن من أولئك الذين يحمدون الله عز وجل في السراء والضراء، في يسرهم وفي عسرهم، في ليلهم ونهارهم.
فإن الحمد لله كلمة ثناء على الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه وتعالى يحب الثناء؛ فما من أحدٍ أحبَّ إليه الثناء والمدح من الله جل في علاه؛ ولذلك أثنى ربنا سبحانه وتعالى على نفسه، وأثنى عليه أنبياؤه، وأثنى عليه الملائكة، ويثني عليه ويحمده كل مؤمن عابد له سبحانه وتعالى؛ ففي صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس أحد أحب إليه المدح من الله؛ من أجل ذلك مدح نفسه))، ومدح الله هو الثناء عليه سبحانه؛ بذكر أوصاف الكمال والأفضال.
• وقد أثنى سبحانه وتعالى على نفسه بحمده؛ كما قال الله تعالى: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 75]؛ قيل: لما علم سبحانه عَجْزَ عباده عن حمده، حمد نفسه بنفسه لنفسه في الأزل.
• وافتتح كتابه بحمده؛ فقال في مطلع أعظم سورة في القرآن الكريم، سورة الفاتحة: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1، 2].
• وافتتح سورًا من القرآن الكريم بحمده جل جلاله؛ فقال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1]، وقال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1]، وقال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [سبأ: 1]، وقال تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فاطر: 1].
• لأنه هو المستحق للحمد، والثناء الجميل؛ لذاته ولربوبيته للكون سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الجاثية: 36].
• فهو المحمود في الماضي والحاضر والمستقبل، قبل أن يخلق وبعد أن خلق ودومًا وأبدًا؛ كما قال الله تعالى: ﴿ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ ﴾ [القصص: 70].
• وهو المحمود في السماوات والأرض؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الروم: 18].
• وهو المحمود أبد الآبدين في جنة رب العالمين؛ كما قال تعالى: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10].
الحمد لله: كلمة يحبها الله تعالى ويرضى عنها وعن قائلها؛ كما قال علي رضي الله عنه: "الحمد لله كلمة أحبها الله لنفسه، كلمة رضيها الله لنفسه، وأحب أن تُقال".
الحمد لله: كلمة كل شاكر؛ كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الحمد لله كلمة كل شاكر".
الحمد لله: أمر الله تعالى بها أنبياءه ورسله؛ فخاطب نوحًا عليه السلام ومن نجا معه من المؤمنين: ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 28]، وأمر الله سبحانه وتعالى بها أيضًا رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، وقال تعالى: ﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [النمل: 59].
• ولذلك لا نستغرب إذا لهجت ألسنة رسل الله وأنبيائه بالحمد؛ فهذا إبراهيم عليه السلام يحمد ربه سبحانه وتعالى ويقول: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 39]، وهذا داود وسليمان عليهما السلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النمل: 15].
• والله سبحانه وتعالى أخبرنا أيضًا أن الملائكة من حملة العرش يسبحونه ويحمدونه؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7]، وقال تعالى: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشورى: 5].
• وأما المؤمنون الذين يفوزون بالجنة، فيلهمون الحمد إذا دخلوها؛ قال الله تعالى: ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [يونس: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 34]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [الزمر: 74]، وجاء في الحديث: ((إن أهل الجنة يُلهَمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النَّفَس)).
أيها الحبيب، قل: الحمد لله؛ إذ أكرمك الله تعالى بنعمة الهداية إلى الإسلام؛ فإن من أعظم ما يحمد العبد عليه ربه سبحانه وتعالى هو نعمة الإسلام؛ والتي لا تعادلها نعمة أخرى؛ فبنعمة الهداية في الدنيا تحصل نعمة الهداية في الآخرة إلى طريق الجنة؛ ولذلك قال أهل الجنة: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].
قل: الحمد لله على نعمة الهداية إلى صراط الله المستقيم؛ ويا لها من نعمة! لو ظل العبد ليل نهار يقول عنها: الحمد لله، ما وفَّى ذلك عمره كله؛ وتأمل إلى ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ربه ومولاه وكيف أنه أظهر العجز بقوله: ((لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))؛ [رواه مسلم]؛ أي: لا أحصي نعمتك وإحسانك، والثناء بها عليك، وإن اجتهدت في الثناء عليك، فلا نهاية للثناء على الله تعالى.
قل: الحمد لله، إذا سألك أحد عن حالك؟ كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ فقل: الحمد لله؛ والتي أصبحت مفقودة في حياة بعض المسلمين.
قل: الحمد لله؛ إذا جعلك الله تعالى سببًا في هداية غيرك وقد هداك الله؛ ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار)).
قل: الحمد لله؛ أن الله تعالى فطرنا على دينه دين الحق؛ فكلما رأيت نفسك على الفطرة السليمة في أفعالك وأقوالك واعتقاداتك، فقل: الحمد لله؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أُسريَ به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك)).
قل: الحمد لله على كل نِعَمِ الله تعالى الظاهرة والباطنة، وعلى نعمة المطر، نعمة الغيث، نعمة الماء؛ تلك النعمة التي يغيث الله بها البلاد والعباد، والشجر والزرع والدواب، وجميع خلقه مما نراه أو لا نراه؛ فقد قال سبحانه ممتنًّا على عباده بهذه النعمة، ومبينًا استحقاقه للحمد: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].
وتأمل كيف اختار سبحانه وتعالى أن يربط نعمة الغيث والماء، هذه النعمة المادية الدنيوية بهذين الاسمين الجليلين:
•فهو الولي: الذي يتولى عباده بالإحسان.
وهو الحميد: الذي يعطي ما يُحمد عليه، فهو المستحق للحمد لا غيره.
قل: الحمد لله؛ لتكون ممن امتدحهم الله تعالى في كتابه العزيز؛ حينما قال في وصف عباده المؤمنين المقربين: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112].
• قال الحسن رحمه الله: "الحامدون الذين حمدوا الله على أحايينهم كلها".
• وقال القرطبي رحمه الله: "الحامدون أي الراضون بقضائه، المصرفون نعمته في طاعته، الذين يحمدون الله على كل حال".
• وقال السعدي رحمه الله: "الحامدون لله في السراء والضراء، واليسر والعسر، المعترفون بما لله عليهم من النعم الظاهرة والباطنة، الْمُثنون على الله بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار".
• وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي...))؛ [الحديث].
الوقفة الثانية: كنوز وفضائل الحمد لله.
1- الحمد لله: أفضل الدعاء؛ ففي السنن عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الدعاء الحمد لله))؛ [الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه].
2- الحمد لله: ترفع وتُعلي من شأن أهلها يوم القيامة؛عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمَّادون))؛ [صححه الألباني في صحيح الجامع].
3- الحمد لله: كلمة يحبها الله جل في علاه؛ فهي خير الكلام وأحبه إلى الله؛ ففي صحيح مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهنَّ بدأت))، وفي صحيح مسلم: ((إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده)).
4- الحمد لله: تعدل أجر صدقة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقةً، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة)).
5- الحمد لله: سبب لمغفرة الذنوب؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تعالى ملائكةً يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله عز وجل، تنادَوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك، فيقول الله تعالى: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم))، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما على الأرض رجل يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ إلا كُفرت عنه ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)).
6- الحمد لله: تملأ وتثقل الميزان؛ وذلك لثقلها وشرفها ومحبة الله تعالى لها، ولعظيم أجرها؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان قدرها؛ كما في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماء والأرض...))، وروى أحمد وصححه الألباني عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بخ بخ، خمس ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والداه)).
7- الحمد لله: لعظمها تتسابق الملائكة لرفعها؛ ففي صحيح البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي، قال: ((كنا يومًا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة، قال: سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما انصرف، قال: من المتكلم؟ قال: أنا، قال: رأيت بضعةً وثلاثين مَلَكًا يبتدرونها أيهم يكتبها أول)).
8- الحمد لله: غراس الجنة؛ فقد روى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقيت إبراهيم ليلة أُسريَ بي، فقال: يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قِيعان، وأن غِراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)).
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الحامدين الشاكرين.
الخطبة الثانية
بعض المواطن التي يشرع فيها قول: الحمد لله.
• فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحمد الله تعالى على كل حال، يحمده سبحانه على جميع نعمه الصغيرة والكبيرة، وفي السراء والضراء.
1- فبالحمد لله نبتدئ الصلاة ونختمها:
• نبدأ بدعاء الاستفتاح: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا.
• ثم قراءة سورة الحمد: الحمد لله رب العالمين.
• فإذا ركعت ورفعت من الركوع تقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
• ودُبُر الصلوات نحمد الله ثلاثًا وثلاثين مع التكبير والتسبيح.
2- عند النوم.
• فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحمد الله عند النوم؛ ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه، قال: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافيَ له ولا مُؤوي))، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب وفاطمة رضي الله عنهما: ((إذا أخذتما مضاجعكما، فسبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم))؛ [البخاري ومسلم].
• وعند الانتباه ليلًا: نحمد الله؛ ففي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعارَّ من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استُجيب له، فإن توضأ وصلى قُبلت صلاته)).
• وإذا رأى في منامه خيرًا: يحمد الله؛ ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله تعالى؛ فليحمد الله عليها وليحدِّث بها)).
• وعند الاستيقاظ من النوم: نحمد الله؛ كما في صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من نومه، قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور))؛ فإن الاستيقاظ من النوم نعمة من نعم الله تعالى علينا؛ لأن النوم هو الموتة الصغرى؛ كما أخبر ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42].
• وعند الصباح والمساء: نحمد الله؛ ففي السنن عن عبدالله بن غنام رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر ذلك اليوم))؛ [رواه أبو داود، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وضعفه الألباني].
3- عند الفراغ من الطعام والشراب؛ ففي صحيح البخاري عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من طعامه قال: ((الحمد لله الذي كفانا وأوانا، غير مَكْفِيٍّ ولا مكفور))، وقال مرةً: ((الحمد لله ربنا، غير مكفي ولا مودَّع ولا مستغنًى، ربنا))، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: ((الحمد لله الذي أطعم وسقى، وسوَّغه، وجعل له مخرجًا))؛ [رواه أبو داود، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة]، وفي رواية: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين)).
• فسَلْ نفسك أيها الحبيب: كم مرة نأكل في اليوم؟ وكم مرة نشرب شرابًا في اليوم؟ وكم مرة قلنا: الحمد لله؟!
• فإن الذي يلهم الحمد إنما يلهم طريق الرضا؛ فينال بهذا الحمد على الأكل والشراب رضا ربه ومولاه الكريم جل جلاله؛ كما في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها)).
• بل وينال بهذا الحمد مغفرة ما تقدم من ذنبه؛ عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أكل طعامًا فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وحسنه الألباني].
4- عند العطاس.
• فقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحمد الله تعالى عند العطاس؛ كما في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه، أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم)).
5- عند لبس الثياب.
• فعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من لبس ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة؛ غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))؛ [صححه الألباني في صحيح أبي داود].
• أما إذا كان جديدًا فيقول كما جاء في هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبًا سماه باسمه، إما قميصًا أو عمامةً، ثم يقول: ((اللهم لك الحمد، أنت كسوتَنيه، أسألك من خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صُنع له))؛ [صححه الألباني في صحيح أبي داود].
6- عند ركوب الدابة.
• فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا ركب دابة قال: ((بسم الله - ثلاثًا - الحمد لله، ثم قال: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴾ [الزخرف: 13، 14]، ثم قال: ((الحمد لله ثلاثًا، والله أكبر ثلاثًا، سبحانك إني قد ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)).
7- عند رؤية المبتلَى.
• ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأى مبتلًى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، لم يصبه ذلك البلاء)).
8- في السراء والضراء.
• عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب، قال: ((الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال)).
9- عند حلول النعم.
• عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنعم الله على عبد نعمة، فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أُعطي أفضل مما أخذ))؛ [رواه ابن ماجه بإسناد صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير].
10- في ختام المجلس.
• ففي الحديث الصحيح؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه؛ فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفر له ما كان في مجلسه))؛ [رواه الترمذي].
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده الحامدين، وأن يجعل أعمالنا صالحة، ولوجهه خالصة.