الاستغفار
الوصف: عناصر الخطبة:
الاستغفار
عناصر الخطبة:
• الاستغفار أمر رباني وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودأب السلف الصالح.
• صيغ الاستغفار وأفضلها.
• بعض الأحوال والأوقات التي يستحب فيها الاستغفار.
• ثمرات وفوائد الاستغفار.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُلُّكم على دائكم ودوائكم، ألا إن داءكم الذنوب، ودواؤكم الاستغفار"[1]، هذا تذكير لكل من أغرقته الذنوب والمعاصي، لكل من أثقلته الهموم وضاقت عليه الأرض بما رحبت، لكل من يبحث عن السعادة الحقيقية، إليك الدواء؛ أكثِرْ من الاستغفار.
عباد الله، الإكثار من الاستغفار أمر رباني في غير ما آية في كتابه، ومنها قوله تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 10]، الإكثار من الاستغفار من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: "إني لأستغفرُ الله، في اليوم مائة مرة"[2].
الإكثار من الاستغفار دأبُ السلف الصالح، ومن أقوالهم:
• قال قتادة: "إن هذا القرآن يدُلُّكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم فالذنوب، وأمَّا دواؤكم فالاستغفار".
• وقالت عائشة رضي الله عنها: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرا".
• ويُروى عن لقمان الحكيم أنه قال لابنه: "يا بني، إن لله ساعات لا يرد فيها سائلًا، فأكثر من الاستغفار".
• وكان الحسن البصري يقول: "أكثِروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة".
عباد الله، ألفاظ وصيغ الاستغفار كثيرة، وبأيها قلت فقد استغفرت ربك، ومنها أن تقول: "أستغفر الله" (أو) "اللهم اغفر لي" (أو) "رب اغفر لي وتب عليَّ، إنك أنت التواب الغفور" (وفي رواية) "إنك أنت التواب الرحيم"[3]، (أو) "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه"[4]، وأفضلها سيد الاستغفار وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت"[5].
عباد الله، يستحب الاستغفار في الأحوال والأوقات التالية:
• بعد الفراغ من أداء العبادات؛ ومن ذلك قوله تعالى بعد أداء فريضة الحج: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 199].
• في وقت السحر؛ لثناء الله على عباده المستغفرين له في هذا الوقت، فقال:﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]، والسحر:آخر الليل؛ لأن الدعاء فيه أقرب للإجابة، ويخلو فيه القلب من الشواغل[6].
• في ختم المجالس؛ قال صلى الله عليه وسلم: "من جلس في مجلس كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك ربنا وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك ثم أتوب إليك، إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك"[7].
• في الاستغفار للأموات؛ قال صلى الله عليه وسلم: "استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يُسأل"[8]، وكان يقوله إذا فرغ من دفن الميت ووقف على قبره.
فاللهم اجعلنا من المستغفرين بالأسحار آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى، وآله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد:
عباد الله، رأينا في الخطبة الأولى أن الاستغفار أمر رباني وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ودأبُ السلف الصالح، ورأينا بعض صيغ الاستغفار وأفضلها، ورأينا بعض الأحوال والأوقات التي يستحب فيها الاستغفار، ونختم بــ:
بعض ثمرات وفوائد الاستغفار؛ الاستغفار استجابة لأمر الله كما رأينا، وهو سبب من أسباب حصول الرزق، ومغفرة الذنوب، ورفع الدرجات، وسبب في نزول الغيث وإنجاب الذرية، وأنتم تقرأون قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام:﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10- 12] تحكي امرأة أنها تأخَّرت عنها الذرية قرابة عشر أو خمس عشرة سنة، وخلال هذه المدة زارت العديد من الأطباء دون جدوى، وفي أحد الأيام ذهبت لحضور أحد الدروس الدينية فسمعت الداعية يتحدث عن الاستغفار وفضله، فداومت على الاستغفار، ولم يمض ستة أشهر إلا وهي حامل، قالت: وابني الآن في السادسة من العمر، ما السبب؟ إنه الدوام على الاستغفار.
وسبب في رفع المصائب والهموم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب"[9]، تقول امرأة أنه مات زوجها وهي لا تزال صغيرة وعندها خمسة أطفال، فأظلمت الدنيا في وجهها وبكت حتى خافت على بصرها وكاد اليأس يحل بقلبها؛ لأنه ليس لها دخل وأبناؤها صغار، فكانت تصرف من المال القليل الذي تركه الزوج، وبينما هي في غرفتها فتحت المذياع على إذاعة القرآن الكريم وإذا بداعية يتحدث عن الاستغفار وفوائده، فأكثرت من الاستغفار فما مَرَّ سوى ستة أشهر حتى جاءت فكرة إقامة مشروع على ملكية لهم قديمة وعوَّضوها بالملايين، قالت: فامتلأ بيتنا بالخير، وحفظ ابني القرآن الكريم، وصرنا نعيش في خير، وأصلح الله لي أبنائي وبناتي وذهب عني الهَمُّ والحزن.
فاللهم اغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، آمين.
(تتمة الدعاء).
[1] رواه البيهقي في شعب الإيمان برقم: 6746.
[2] رواه مسلم برقم: 2702.
[3] رواه ابن ماجه (صحيح) برقم: 3814. ومسند أحمد برقم: 4726.
[4] رواه أبو داود (صحيح) برقم:1517.
[5] رواه البخاري برقم: 6306.
[6] المختصر في تفسير القرآن الكريم: 52.
[7] رواه الترمذي (صحيح) برقم: 3433.
[8] رواه البيهقي في الكبرى (صحيح) برقم: 7064.
[9] رواه ابن ماجه (ضعيف) برقم: 3819.