﴿وهو الله لا إله إلا هو﴾
الوصف: الحمدُ للهِ الملكِ العظيمِ الجليلِ، الخالقِ الرازقِ الجميلِ، أنزلَ التنزيلَ، وأنارَ السبيلَ، وأقام الدليلَ، ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ [الزمر:41].
﴿ وهو الله لا إله إلا هو ﴾
الحمدُ للهِ الملكِ العظيمِ الجليلِ، الخالقِ الرازقِ الجميلِ، أنزلَ التنزيلَ، وأنارَ السبيلَ، وأقام الدليلَ، ﴿ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الزمر:41].
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك له، أفاضَ على عباده النِّعْمةَ، وكتبَ على نفسهِ الرَّحمةَ، وجعلَ أُمَّةَ الإسلامِ خيرَ أُمَّةٍ، ﴿ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [البقرة:108].
وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومصطفاه وخليه، أرســلهُ اللهُ رحـمـةً للعـالمينَ، وإمامـًا للمتقينَ، وقـدوةً للعـامِلينَ، فصلَّ الله وسلِّم وبارك عليهِ وعلى آلهِ الطيبينَ، وصحابتهِ الغُرِّ الميامينَ، والتابعينَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله حقَّ التقوى، فتقوى الله هي خيرُ الوصايا وأعظمها، وأتمُّها وأشملُها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102].. ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَاب ﴾ [البقرة:197].
معاشر المؤمنين الكرام: الإيمانُ بالله تبارك وتعالى مبنيٌ على التعظيمِ والإجلال، فاللهُ تعالى يقولُ لنبيه الكريم: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الحاقة:52]، بينما يقولُ عن الكافر: ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحاقة:30]، فسببُ هلاكهِ, وسوءِ مصيره, هو عدمُ تعظيمهِ لمن استوجبَ العظمةَ كلها, جلَّ وعلا، يقولُ العلَّامةُ الرباني ابنُ القَيِّمِ رحمَه اللهُ: (وَلَوْ تَمَكَّنَ وَقَارُ اللَّهِ وَعَظَمَتُهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ لَمَا تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِيهِ.. فَإِنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَقْتَضِي تَعْظِيمَ حُرُمَاتِهِ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُتَجَرِّئُونَ عَلَى مَعَاصِيهِ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).. وهكذا يا عباد الله: فمن أرادَ أن يقوى تعظيمَهُ لخالقه ومولاه، ويزيدَ من خشيته لله وتقواه، فليتدبّر كتابَ ربهِ جلَّ في علاه، وليتفكّرّ في عظيم آياته، وليتأمل بديعَ أسماءِه وجليلَ صِفاته، وكذلك فليتأمّل وليتدبر في عجيب صُنعِ اللهِ وروعةِ مخلوقاته، ﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُون ﴾ [يونس:101].
نعم يا عباد الله، فاللهُ جلَّ وعلا هو الذي خلقنا من العدم، وهو الذي ربانا بالنِّعم، وأكرمنا غاية الكرم، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل:18].. والله تبارك وتعالى: هو الذي هَدَانا وكفانا وآوانا، وما كنَّا لنهتدي لولا أنَّ اللهَ هدانا.. ﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا ﴾ [النساء:83].
ألا وإنَّ وقفةً في محرابِ العظمةِ، يتأملُّ فيها المسلمُ آياتِ ربهِ القرآنية، ويربطها بآياته الكونية، لتسكُبُ في قلبه النورَ واليقينَ، وتجلِبُ لنفسه السكينةَ والطمأنينة، وتُثمرُ له المحبةَ والخشيةَ، والرجاءَ والمراقبةَ.. فاللهُ جلَّ في علاه: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيب ﴾ [غافر:13]..
إنَّهُ ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون ﴾ [الروم:40].. إنَّهُ ﴿ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُون ﴾ [الرعد:2].. إنَّهُ ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُون ﴾ [غافر:61].. إنَّهُ ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين ﴾ [غافر:64].. إنَّهُ ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُون ﴾ [غافر:79].. إنَّهُ ﴿ اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ﴾ [الجاثية:12].. إنَّهُ ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل ﴾[الزمر:62].. إنَّهُ ﴿ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم ﴾ [آل عمران:2]..
إليهِ وإلَّا لا تُشدُّ الركَائِبُ.. ومِنهُ وإلَّا فالمؤَمِلُ خَائِبُ.. وفيهِ وإلَّا فالغرامُ مُضَيَعٌ.. وعنهُ وإلَّا فالمحدِثُ كاذِبٌ.
جلَّ وعلا، ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ﴾ [الحديد:2]، ﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ﴾ [الجاثية:37].
أحاطَ بكلِّ شيءٍ علما، ووسعِ كلَّ شيءٍ رحمةً وحِلمَا، وقهرَ كلَّ مخلوقٍ عِزةً وحُكما، ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ [طه:110]..
ذلَّ لجبروتهِ العظماءُ، ووجِلَّ من خشيته الأقويَاءُ، وقامت بقدرته الأرضُ والسماءُ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ [هود:7]..
لا تدركهُ الأبصارُ، ولا تغيرهُ الأعْصَارُ، ولا تتوهمُه الأفكارُ، وكلَّ شيءٍ عندهُ بمقدار، ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّار ﴾ [ص:66]..
تواضعَ كلُّ شيءٍ لعظمته، وذلَّ كُلُّ شيءٍ لعزتِه، وخضعَ كلُّ شيءٍ لهيبتهِ، واستسلَمَ كُلُّ شيءٍ لمشيئته، ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ ﴾ [الأنبياء:19]..
تسبحُ لهُ السماواتُ وأملاكُهُا، والنجُومُ وأفلاكُهَا، والأرضُ وفِجَاجُها، والبِحارُ وأمواجُها، والغاباتُ وأحيائُها، والصحاري ورمالها، والأشجارُ وثِمارُها، ﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء:44]..
ووالله لو تكلمت الأحجار, ونطقت الأشجار, وخطبت الأطيار, لقالت: لا إله إلا اللهُ الملكُ القهار، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُون ﴾ [سورة النور:41]..
سبحانه.. ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون ﴾ [الحشر:23]..
سبحانه وبحمده: ﴿ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ﴾ [الحديد:3].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُون ﴾ [المؤمنون:80]..
سبحانه وبحمده: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ﴾ [البقرة:29].. ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ﴾ [القصص:70]..
سبحانه وبحمده: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ﴾ [آل عمران:6].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم ﴾ [الروم:27].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان:54].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُون ﴾ [المؤمنون:78].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُون ﴾ [المؤمنون:79]..
سبحانه وبحمده: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور ﴾ [الملك:15].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان:47]..
سبحانه وبحمده: ﴿ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَال ﴾ [الرعد:12].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ﴾ [الأعراف:57].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد ﴾ [الشورى:28]..
سبحانه وبحمده: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون ﴾ [يونس:5].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون ﴾ [الأنعام:97].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون ﴾ [النحل:14].. ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيد ﴾ [الشورى:25]..
أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى...
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله وكونوا مع الصادقين... وكونوا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب..
معاشر المؤمنين الكرام: لقد ذمَّ الله تعالى المعرضين عن آياته، والذين لا يعتبرُون بمخلوقاته، فقال: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:105].. وتوعدهم جلَّ وعلا بقوله: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ [طه:124]..
والناظرُ المتأمل ُفي الكون وآفاقه، يشعرُ بجلال اللهِ وعظمتهِ، فالكونُ بكُلِّ ما فيه، خاضعٌ لأمرِ سيدهِ، منقادٌ لتدبيره ومشيئته، شاهدٌ بوحدانيةِ اللهِ وعظمته، دائمُ التسبيحِ بوحدانيته، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44].
تأملوا هذا الكلام الرائع لأحد العلماء إذ يقول: وأنت إذا نظرت إلى الكون وما فيه من بدائع الحكم, وغرائبِ المخلوقات, ودقيقِ الصنع, وعجيب الإحكام, مع العظمةِ والدقةِ والانسجام، والتناسق والروعة والإبداع, والتجدد والتنوع والاتساع, ورأيت هذه السماء الصافية, بكواكبها وأفلاكها, وشموسها وأقمارها، ومداراتها ومساراتها, ورأيت هذه الأرض بنباتاتها وخيراتها, ومعادنها وكنوزها، ورأيت عالم الحيوان وما فيه من غرائب الهدايات والإلهام, ورأيت تركيب الإنسان وما احتواه من أجهزة كثيرة, كلٌ يقوم بعمله, ويؤدي وظيفته, ورأيت عالم البحارِ وما فيه من عجائبَ وغرائب، وما فيه من حكمٍ وأسرار.. ثم انتقلت من النظر إلى الذوات والأوصاف, إلى ما بينها من الروابط والصلات, وكيف أنَّ كلًا منها يتصلُ بالآخر اتصالًا محكمًا ومكملًا, بحيثُ يتألفُ من مجموعها وِحدةٌ كونيةٌ مُتكاملة، كلُّ جزءٍ منها يخدم الأجزاء الأخرى ويتمِّمُها, كما يخدمُ كلَّ عضوٍ في الجسم بقية الأعضاء, لخرجت من كل ذلك, من غير أن يأتيك دليلٌ أو برهانٌ, أو وحيٌ أو قرآن, ولأيقنت أن لهذا الكون خالقًا عظيمًا أتقنهُ أيمَّا إتقان، وفاطرًا خبيرًا أبدعهُ أيمَّا إبداع، وأنَّ هذا الخالقَ العظيم، لا بدَّ أن يكونَ جليلًا عظيمًا، فوق ما يتصوَرهُ العقلُ من العظمة, وأنه قديرٌ قادرٌ مُقتدرٌ، فوق ما يفهمُ الإنسانُ من معاني القدرة, وأنه حيٌّ قيومٌ, بأكمل معاني الحياةِ وأشملِها، وأنه عليمٌ خبير, بأوسع حدودِ العلمِ والخبرة, وأنه فوقَ نواميسِ وقوانينِ هذا الكون, لأنه هو الذي وضعها, وأنه موجودٌ قبلَ وبعدَ هذه المخلوقاتِ, لأنه هو الذي خلَقها وأوجدها، وإذا شاءَ أفناها كما أوجدها.. وإجمالًا سترى نفسك مملوءةً إيمانًا بأنَّ صانعَ هذا الكونِ ومدبره, مُتصفٌ بكلِّ صفاتِ الكمال، ومُنزهٌ عن كل صفاتِ النقص, وسترى هذا الإيمان يشِعُ من أعماقِ قلبك وروحك, ويفيضُ شعورًا من كل حنايا نفسك: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم:30].. ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار ﴾ [آل عمران:191]..
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]..
ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..
اللهم صل على محمد...