ذِكْرٌ أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار منه

الوصف: نقف اليوم مع ذِكْر من الأذكار النبوية، هذا الذكر كان نبينا صلى الله عليه وسلم يُعلِّمه لأصحابه الكرام رضي الله عنهم ويحثُّهم عليه، حتى أوصى بهذا الذِّكْرِ أكثرَ من تسعة عشر صحابيًّا، وأوصاهم بالإكثار منه، هذا الذكر له تأثير في دفع الهمِّ والغمِّ والحزن، هذا الذكر هو كفاية للعبد من كل ما أهمَّه من أمر دنياه وآخرته، وحِرْزٌ له من الشيطان، هذا الذكر هو مِفتاح لكل باب مُغلَق، وسرٌّ من أسرار تحقيق الأمنيات، واستجابة الدعوات، وسبب من أسباب مغفرة الذنوب، هذا الذكر هو باب من أبواب الجنة، وكَنز من كنوزها، هذا الذكر هو(لا حول ولا قوة إلا بالله).


صورة القسم 1

ذِكْرٌ أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار منه

 

نقف اليوم مع ذِكْر من الأذكار النبوية، هذا الذكر كان نبينا صلى الله عليه وسلم يُعلِّمه لأصحابه الكرام رضي الله عنهم ويحثُّهم عليه، حتى أوصى بهذا الذِّكْرِ أكثرَ من تسعة عشر صحابيًّا، وأوصاهم بالإكثار منه، هذا الذكر له تأثير في دفع الهمِّ والغمِّ والحزن، هذا الذكر هو كفاية للعبد من كل ما أهمَّه من أمر دنياه وآخرته، وحِرْزٌ له من الشيطان، هذا الذكر هو مِفتاح لكل باب مُغلَق، وسرٌّ من أسرار تحقيق الأمنيات، واستجابة الدعوات، وسبب من أسباب مغفرة الذنوب، هذا الذكر هو باب من أبواب الجنة، وكَنز من كنوزها، هذا الذكر هو (لا حول ولا قوة إلا بالله).

 

ومعناه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله، ولا قوة لنا على ترك المعصية إلا بالله"[1]، ورُوِيَ عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في معناها: "لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته"[2].

 

ولأهمية هذا الذكر الذي يحمل من المعاني العميقة ما يُثبِّت الإيمان، ويقوِّي اليقين، ويزيد صلة العبد بربه عز وجل؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّمه لأصحابه الكرام رضي الله عنهم، ويُوصِيهم بالإكثار منه.

 

يقول سيدنا أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: ((أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبعٍ: أمرني بحب المساكين، والدنوِّ منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصِلَ الرحم وإن أدْبَرَت، وأمرني ألَّا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مُرًّا، وأمرني ألَّا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أُكْثِرَ من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنهن من كَنْزٍ تحت العرش))[3]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((يا أبا موسى، ألَا أدلُّك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله))[4]، فلا حول ولا قوة إلا بالله كَنْزٌ من كنوز الجنة.

 

وهذا سيدنا قيس بن سعد بن عُبادة رضي الله عنه يقول: ((مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت، فضربني برجله، وقال: ألَا أدلُّك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))[5].


والله لو عرَفنا معنى (لا حول ولا قوة إلا بالله)، وأكثَرْنا من ترديدها، لَزالت همومنا، وحُلَّت مشكلاتنا؛ فهي باب من أعظم أبواب الفَرَج، وقائلها يُفرِّج الله عنه كل همٍّ وكل ضيق وكَرْبٍ، ويحفظه من كل مكروه.

 

هذا عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه الصحابي الجليل، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله، إن ابني مالكًا ذهب غازيًا في سبيل الله ولم يَعُدْ، فماذا أصنع؟ لقد عاد الجيش، ولم يَعُدْ مالكٌ.

 

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عوفُ،اتَّقِ الله واصبر، وأكْثِرْ أنت وزوجك من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله))، فذهب الرجل إلى زوجته التي ذهب وحيدها ولم يعد، فقالت له: ماذا أعطاك رسول الله يا عوف؟ قال لها: أوصاني أنا وأنتِ بقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، فماذا قالت المرأة المؤمنة الصابرة؟ قالت: لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلسا يذكران الله بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

فلما أقبل الليل بظلامه، وطرق الباب، وقام عوف ليفتح، فإذا بابنه مالكٍ قد عاد، ووراءه رؤوس الأغنام ساقها غنيمة، فسأله أبوه: ما هذا؟ قال مالك: إن القوم قد أخذوني وقيَّدوني بالحديد، وشدُّوا وَثاقي، فلما جاء الليل حاولت الهروب، فلم أستطع؛ لضيق الحديد وثقله في يدي وقدمي، وفجأة شعرت بحلقات الحديد تتسع شيئًا فشيئًا، حتى أخرجت منها يدي وقدمي، وجئت إليكم بغنائم المشركين هذه.

 

فقال له عوف: يا بني، إن المسافة بيننا وبين العدو طويلة، فكيف قطعتها في ليلة واحدة؟

 

فقال له مالك: يا أبتِ، والله عندما خرجت من السلاسل، شعرت وكأن الملائكة تحملني على جناحيها.

 

وفي الصباح يذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، وقبل أن يخبره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبْشِرْ يا عوف؛ فقد أنزل الله في شأنك قرآنًا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3]))[6].

 

هذه الكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) التي نستهين بها اليوم هي مفتاح فرجٍ لكل همومنا، هي طريق الخلاص من مشكلاتنا ومصائبنا، والله لو يعلم صاحب الحاجة ما في هذه الكلمة من العون والتوفيق والسداد، ما تركها؛ ولذلك يذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه (زاد المعاد) عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كثُرت همومه وغمومه، فلْيُكْثِرْ من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله))[7].

 

فمن أراد أن يتخلص من المشاكل التي يعاني منها في حياته، فعليه بلا حول ولا قوة إلا بالله، من أراد أن يُسدِّد الله تعالى عنه دَينه، فعليه بلا حول ولا قوة إلا بالله، من أراد أن تُفتَح له الأبواب التي أُغلقت في وجهه، فعليه بلا حول ولا قوة إلا بالله، من أراد أن يتخلص من الهموم والغموم التي حلَّت عليه، فعليه بلا حول ولا قوة إلا بالله؛ فهي مِفتاح لكل باب مُغلَق، وسرٌّ من أسرار تحقيق الأمنيات، واستجابة الدعوات، وسبب من أسباب مغفرة الذنوب.

 

الخطبة الثانية: من فضائل (لا حول ولا قوة إلا بالله):

أيها المسلم الكريم: من فضائل (لا حول ولا قوة إلا بالله) أن النبي صلى الله عليه وسلم حثَّ المسلم أن يحافظ عليها عند خروجه من البيت، وبيَّن أن المسلم إذا قالها عند خروجه من البيت، فإنه ينال:

1. الكفاية: من كل ما أهمَّه من أمر دنياه وآخرته.


2. الوقاية: من كل شرٍّ ومكروه، سواء كان من الجن أو الإنس.


3. الهداية: وهي ضد الضلال، فيهديه الله في جميع أموره الدينية والدنيوية.


فاسمع إلى سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو يحدثنا عن هذه الفضيلة فيقول:

إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يُقال حينئذٍ: هُدِيتَ، وكُفِيتَ، ووُقِيتَ، فتتنحَّى له الشياطين، فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجلٍ قد هُدِيَ وكُفِيَ ووُقِيَ؟))[8].


فأين من يحرص على تطبيق هذه السُّنَّة المباركة، ويحث الناس عليها، حتى ينال ما يترتب عليها من فضائلَ، وينال أجر إحياء سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم؟

 

فيا من تريد أن يحفظك الله، ويهديَك، ويكفيَك، قُلْ كلما خرجت من بيتك: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



[1] الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي: (5/ 393).

[2] تحفة الأحوذي للمباركفوري: (9/ 301).

[3] أخرجه أحمد في مسنده: (35/ 327)، برقم (21415)، وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.

[4] صحيح البخاري، كتاب الدعوات - باب الدُّعَاء إِذَا عَلا عَقَبَةً: (8/ 102)، برقم (6384).

[5] سنن الترمذي، أَبْوَابُ الدَّعَوَاتِ - بَاب فِي فَضْلِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ: (5/ 463)، برقم (3581)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

[6] هذه القصة ذكرها الطبري وابن كثير والقرطبي سببًا لنزول قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]؛ قال القرطبي: وقال أكثر المفسرين فيما ذكر الثعلبي: إنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي.

[7] زاد المعاد في هدي خير العباد: (4/ 183).

[8] سنن أبي داود، كتاب الأدب - باب ما يقول إذا خرج من بيته: (7/ 425)، برقم (5095)، وهو حديث حسن بشواهده.