هل يجوز الذكر بما ورد في أحاديث ضعيفة؟
الوصف: هل يجوز الذكر بما ورد في أحاديث ضعيفة؟ السؤال: أرجو
هل يجوز الذكر بما ورد في أحاديث ضعيفة؟
السؤال: أرجو إفادتي في حكم قول بعض أذكار الصباح والمساء التي حكم بعض العلماء ومنهم الشيخ الألباني بضعفها؟
الجواب:
الحمد لله
هذه المسألة مشهورة بين أهل العلم باسم: " حكم العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال "، وقد اختلفت فيها أقوال المحدثين والفقهاء قديماً وحديثاً.
والذي نراه أقرب للصواب إن شاء الله هو أن الحديث الضعيف لا يعمل به في فضائل الأعمال ولا في غيرها، وقد سبق اختيار هذا القول في جواب السؤال رقم: (44877)، (49675)، (98780)، (85609).
وقد اختار هذا القول جماعة من أهل العلم، منهم الإمام مسلم في مقدمة صحيحه حيث قال:
" الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب:
فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه مَن قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته ؛ كان آثماً بفعله ذلك، غاشاً لعوام المسلمين ؛ إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها " انتهى.
قال ابن رجب رحمه الله:
" ظاهر ما ذكره مسلم في مقدمة كتابه يقتضي أنه لا تُروى أحاديث الترغيب إلا عمن تروى عنه الأحكام " انتهى.
" شرح علل الترمذي " (1/373).
وهذا ظاهر قول ابن حبان رحمه الله في مقدمة كتابه " المجروحين "، واختاره أكثر علمائنا المعاصرين.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
" الأحاديث الضعيفة لا يُستدل بها، ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على وجه يُبيَّن فيه أنها ضعيفة، ومَن حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)، فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف.
لكن بعض أهل العلم رخص في ذكر الحديث الضعيف بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: ألا يكون ضعفه شديداً.
والشرط الثاني: أن يكون له أصل.
والشرط الثالث: أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.
فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يجوز ذكر الضعيف أبداً إلا إذا كان الإنسان يريد أن يبين ضعفه، وإذا كان ليس له أصل فإنه لا يجوز ذكره أيضاً.
مثال الذي له أصل: أن يأتي حديث في فضل صلاة الجماعة مثلاً وهو ضعيف، فلا حرج من ذكره هنا للترغيب في صلاة الجماعة ؛ لأنه يرغب في صلاة الجماعة ولا يضر ؛ لأنه إن كان صحيحاً فقد نال الثواب المرتب عليه، وإن لم يكن صحيحاً فقد استعان به على طاعة الله.
لكن مع ذلك يأتي الشرط الثالث: أن لا تعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، ولكن ترجو أن يكون قاله من أجل ما ذكر فيه من الثواب.
على أن بعض أهل العلم قال: إن الحديث الضعيف لا يجوز ذكره مطلقاً إلا مقروناً ببيان ضعفه.
وهذا القول لا شك أنه أحوط، وأسلم للذمة، ومسألة الترغيب والترهيب يكفي فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى.
" فتاوى نور على الدرب " (مصطلح الحديث).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" ومن المؤسف أن نرى كثيراً من العلماء - فضلاً عن العامة - متساهلين بهذه الشروط، فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره، وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل به، ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثاً صحيحاً، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين، وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد " انتهى.
" تمام المنة " (ص/36).
وقد بَيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الذين أجازوا العمل بالحديث الضعيف من الحفاظ والمحدثين المتقدمين لم يقصدوا إثبات استحباب الإتيان بأذكار معينة بأعداد مخصوصة وأوقات مخصوصة إذا وردت في أحاديث ضعيفة، وإنما أرادوا أنه إذا ورد حديث ضعيف يبين مقدار ثواب ذكر معين مثلاً، وكان قد ورد فضل هذا الذكر نفسه في حديث صحيح، أنه يجوز العمل بهذا الذكر مع احتساب الفضل الوارد في الحديث الضعيف، رجاء تحقيقه وتحصيله، أما أن نقول باستحباب عمل – كصلاة التسابيح مثلاً – بدعوى أنها من فضائل الأعمال، والأحاديث الضعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال: فهذا لم يقل به المحدثون والحفاظ المتقدمون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" ولم يقل أحد من الأئمة: إنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع، وهذا كما أنه لا يجوز أن يحرم شيء إلا بدليل شرعي، ولكن إذا عُلم تحريمه، وروي حديث في وعيد الفاعل له، ولم يعلم أنه كذب ؛ جاز أن يرويه، فيجوز أن يروي في الترغيب والترهيب ما لم يعلم أنه كذب، لكن فيما علم أن الله رغب فيه أو رهَّب منه بدليل آخر غير هذا الحديث المجهول حاله " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (1/250).
ويقول أيضا رحمه الله:
" إذا ثبت أن العمل مستحب بدليل شرعي، وروي له فضائل بأسانيد ضعيفة: جاز أن تروى إذا لم يعلم أنها كذب.
وذلك أن مقادير الثواب غير معلومة، فإذا روي في مقدار الثواب حديث لا يعرف أنه كذب ؛ لم يجز أن يُكذِّب به، وهذا هو الذي كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره يرخصون فيه وفي روايات أحاديث الفضائل، وأما أن يثبتوا أن هذا عمل مستحب مشروع بحديث ضعيف، فحاشا لله " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (10/408).
وقال أيضا:
" إذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً ؛ مثل صلاة في وقت معين، بقراءة معينة، أو على صفة معينة ؛ لم يجز ذلك – أي العمل بها – لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو روي فيه: (مَن دخل السوق فقال: لا إله إلا الله كان له كذا وكذا) فإن ذكر الله في السوق مستحب، لما فيه من ذكر الله بين الغافلين، فأما تقدير الثواب المروي فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته، وفي مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي: (من بَلَغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك) " انتهى.
" مجموع الفتاوى " (18/67).
وعلى هذا، فأذكار الصباح والمساء أو غيرها من الأذكار المقيدة بوقت أو سبب لا يعمل بها إذا رويت بأحاديث ضعيفة، وفيما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفاية.
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب