ظاهرة الالتزام في أوائل الثانوية المصرية

الوصف: لم تستطع وسائل الإعلام -


صورة القسم 1

لم تستطع وسائل الإعلام - مقروءة ومسموعة - أن تتجاهل ظاهرة تزامنت مع نتيجة الثانوية العامة هذا العام والأعوام القليلة الماضية.
تلك الظاهرة ذات شقين:
أولهما الالتزام الديني للمتفوقين وتشديدهم جميعا علي أن الصلاة لوقتها ساعدتهم علي تنظيم وقت المذاكرة , واعتبار أداء الصلاة هدنة روحية من الاستذكار والتحصيل , وأيضا علي أن قراءتهم للقرآن وحفظهم له قومت ألسنتهم وصوبت لغتهم.
كذلك ارتبط تفوق أوائل الثانوية العامة بوعيهم بأهمية حسن استغلال المرحلة العمرية التي يمرون بها - ذروة المراهقة - في ممارسة الهوايات المفيدة والرياضة وحضور الدروس المسجدية.

أما الشق الثاني من الظاهرة فهو أن معظم الأوائل فتيات كلهن بفضل الله ملتزمات بالحجاب معتزات به , وأصدق تعبير عن هذا الاعتزاز أن إحدي الأوائل العام الماضي قيل لها:
إن شكلك سيكون غريبا بخمارك أثناء تكريمك في وزارة التربية والتعليم , وربما حرمت من الحصول علي جائزة التفوق , ونصحها من حولها بارتداء غطاء رأس قصير - طرحة علي الرقبة - فرفضت وقالت :
ما دام خماري في كفة وتكريمي في كفة فسأرجح الخمار, وذهبت إلي حفل التكريم, ونالت نصيبها منه دون أن يحدث شيء مما خوفها منه المحيطون بها.

والملاحظ أنه بعد أن كان النمط العام في التغطية الإعلامية لنتيجة الثانوية العامة يركز علي أهمية تنظيم الأوائل لوقتهم وممارستهم للرياضة , وعدم استعانتهم بالكتب الخارجية دون التطرق إلي مدي الالتزام الديني لهم , أو علاقتهم بالقرآن , بدأت هذه التغطية تتحدث عن دور الدين في تفوق هؤلاء وتسهب في إظهار التزامهم, فيما يمكن أن يفسر بأنه رسالة استغاثة ضمنية من الانحرافات الخطيرة التي شاعت في وسط الشباب والفتيات , ونوع التسرية عن النفس بتبسيط قضية هذه الانحرافات وربطها - فقط - بغياب الالتزام الديني عند الشباب وليس بأسباب أخري إعلامية أو اجتماعية أو اقتصادية أو أيضا سياسية.

وهذا العام كان هناك ملمح آخر في نتيجة أوائل الثانوية العامة, إذ كان فارق الدرجات بين الحائزين علي المراتب الأولي والمتأخرة ضمن ال- 35 الأوائل ضئيلا جدا,
فالأولي حاصلة علي 408.5 من 410, والخامس والثلاثون حاصل علي 403.5
وقد احتشدت الصحافة وبرامج التليفزيون في الأيام الأخيرة بلقاءات وحوارات مع الأوائل , وكان التركيز غالبا علي المراكز الخمسة الأولي.
ونحاور اليوم واحدة من الأوائل ممن يجسدن الظاهرة التي تحدثنا عنها, فتاة تتمني الالتحاق بكلية الطب حتي تسد ثغرة , لا لتحقق شهرة أو مجدا شخصيا, فهي تود أن تصبح طبيبة تكفي من هن في مثل سن أمها مؤونة البحث عن طبيبة مسلمة ثقة يعالجن عن طريقها, وتري أن الحجاب ليس مجرد فريضة دينية فهو حصانة سلوكية, وأقرب الطرق إلي استجلاب الاحترام العام لصاحبته.

نحاور زهرة جديدة تتفتح في سماء العلم تبث رائحتها الذكية في هذه السطور, إنها سوزان محمد أمين شلبي - التاسعة مكررا علي مستوي جمهورية مصر العربية في شهادة الثانوية العامة هذا العام بمجموع 406.5 علمي أي بفارق درجتين فقط عن الأولي .

سألتها عن القرآن وأثره في تفوقها, وعن فائدة الانتظام في الصلاة , وعن أهمية التزام والديها دينيا وغيرها من الموضوعات وإجاباتها عبر هذه السطور.

ما بين الصلاتين
) ما أهم أسباب تفوقك من وجهة نظرك?
- انتظامي وحفاظي علي الصلاة فهي بجانب كونها أحد أركان الإسلام, وفرضا علي كل مسلم لكنها ساعدتني كثيرا علي تنظيم وقتي بحيث كنت أحسب لأي مادة الوقت ما بين صلاتين, ثم أصلي وأريح ذهني قليلا وبعدها أتابع , فكان الأذان بمثابة نهاية لمادة . وبعد صلاة الفرض أبدأ مادة جديدة, مما ساعدني علي التحكم جيدا في وقتي.

) هل تعتقدين أن لأسرتك دورا في تفوقك ?
- لأسرتي النصيب الأكبر في نجاحي والأهم حفاظي علي الالتزام دينيا فمنذ صغري عودتني أمي, وكذلك أبي علي الذهاب للمسجد, وأداء الصلاة به, كذلك رأيت أمي تلبس الملابس المحتشمة , وتقنعني بها, وتظهر لي مساوئ التبرج وعدم الالتزام, كذلك الجو النفسي المريح الذي وفرته هذه الأسرة لي من هدوء ورضا وطمأنينة ساعدني كثيرا في تركيزي في دروسي .

) حتي تحصلي علي هذا المجموع هل كنت متفرغة للمذاكرة فقط?
- لا طبعا : فقد كان لدي فراغ أحاول قضاءه في حفظ القرآن الكريم, وكان ذلك يساعدني أيضا في تنشيط ذاكرتي في استيعاب الدروس فضلا عن راحتي النفسية واستمتاعي بالقراءة ومحاولة فهم ما أقرأ.

) ما أهم قضية عامة شغلتك في الفترة الأخيرة?
- كثير ا ما أتصور نفسي أعيش في القدس ومسجدي وبيتي وأرضي يغتصبون , وأخي وأبي وعمي ما بين شهيد وجريح , كل ذلك جعلني أضع نفسي مكان أختي المسلمة في القدس , لذلك وجدت من واجبي أن أبصر من حولي بحقيقة المشكلة قدر علمي, كذلك أدعو لإخواني في كل أرض محتلة بالنصر وأحاول استغلال وسائل التكنولوجيا الحديثة المتاحة لي في خدمتهم قدر استطاعتي.

) هل استخدمت الإنترنت - مثلا - لهذا الغرض?
- البيت لم يكن به جهاز كمبيوتر لكني تعلمت أسس استخدامه في المدرسة, كذلك الإنترنت ؛ فبعض صديقاتي يملكنه, وكنت أقضي بعض الوقت معهن في فتح بعض المواقع وإجراء حوارات مع آخري ن, وكنا في هذه الحوارات نحاول أن نشرح لهم بعض ما يرونه خطأ عندنا, كذلك كنا نصحح لهم الكثير من الأخطاء , وحول موقف المسلمين من القضايا العامة مثل القدس والشيشان.

) عودة إلي الثانوية العامة : هل سبب لك نظام العامين أي ارتباك ?
- أنا لم أجرب النظام القديم لكن أعتقد أن النظام الحديث يقسم المواد علي السنتين بشكل جيد وحسب اختيار الطالب نفسه.

) هل واجهت مشاكل في مذاكرة واستيعاب بعض المناهج ?
- بعض المناهج كنت أحس أن بها إطالة وزيادة وتشعبا غير مفيد لكن بحكم تجربتي البسيطة , وعدم خبرتي كنت أرد علي نفسي بأنه عسي أن أكون أنا المخطئة.

رضا ربي .. وراحتي
) ما موقفك من الكتب الخارجية?
- كتب المدرسة أعتقد أنها كافية وبخاصة نماذج الامتحانات فهي تدريب جيد للامتحان ومعظم الأسئلة أتت منها?

) كثير من الأوائل يؤكدون أنهم لم يستيعنوا بالدروس الخصوصيةوبعضهم يؤكدون استعانتهم بها ن فمن أي فريق أنت ?
- من الفريق الثاني ؛ ففي الصف الثاني لم آخذ أية دروس خصوصية, لكن في الصف الثالث كنت أحضر مجموعات التقوية في المدرسة واستعنت ببعض المدرسين في الكيمياء والفيزياء.

) مدرستك مشتركة فهل وجدت أو إحدي زميلاتك أي مضايقات من زملائكم البنين?
- أعتقد أن التربية الجيدة , وفهم العلاقة بين الولد والبنت إسلاميا, وبشكل صحيح يحصن البنت قبل الولد من المضايقات , بل يساعدها في تجنب المضايقات في أشكال حياتها العامة في : الشارع والسوق والمترو وغيرها,
كذلك الملبس المحتشم يجبر من ينظر إلينا علي احترامنا.

) ألم تفكري في تقليد بعض زميلاتك في لبس ملابس ضيقة أو قصيرة?
- عندما كنت صغيرة كنت أري أمي لا تلبس إلا المحتشم, وكنت ألمح في عيون كل من حولها نظرات احترام لها, وكنت أجد البنات والنساء المتبرجات يواجهن مضايقات كثيرة من الشباب لذلك اخترت هذا الملبس المحتشم لراحتي وقبل ذلك رضا ربي.

) ماذا تخططين لمستقبلك?
- أعتقد أن نجاح أمي في تربيتي أنا وأخي هو أعظم مستقبل تتمناه أي فتاة, فقد تخرجت من كلية التجارة ولم يغرها المؤهل وتفرغت لتربيتنا, فاهتمامي الأول - إن شاء الله - هو أسرتي الصغيرة, ويأتي بعد ذلك ممارسة مهنة أعتقد أنها مهمة , فأمي لا تذهب عند مرضها إلا لطبيبة, فأتمني أن أكون أنا هذه الطبيبة - إن شاء الله - التي يذهب إليها من هن مثل أمي .

) وماذا تقولين لمن لا تجد في مستقبلها مكانا إلا للعمل والوصول إلي أعلي المناصب?
- في بيتي وفي تربيتي لأبنائي سوف أعمل , أليس هذا عملا مهما, واهتمامي الثاني بمهنة أحس أنها تخدم من حولي بقدر احتياجهم إلي, وهي الطب , وهناك طبيبات كثيرات سألتهن فوجدت أنهن يوفقن بين التربية الجيدة لأبنائهم والعمل والأولوية للبيت.

) ماذا تقولين لأحمد أخيك الأصغر وكل من في سنه?
- أقول لهم: مهم جدا أن يكون لكل واحد منا هدف يسعي إليه بشرط أن يكون هدفا نبيلا ومشروعا, وأن يصاحب هذا الهدف التزام ديني وبذل جهد يوازي حجم هذا الهدف, وأنصح أحمد وزملاءه بالمحافظة علي الصلاة وقراءة القرآن الكريم .