من مدرسة النبوة للشباب
الوصف:
1- تربية نبوية:
كان النصح وصالح التوجيه من حظوظ فاطمة من أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبناؤها الحسن والحسين يذهبان بأوفر سهم من عطف النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه.. حتى لينزل من المنبر - وشأن المنبر في الإسلام جليل - ليصلح - صلوات الله وسلامه عليه - من ثياب الحسن والحسين؛ فقد كانا يتعثران فيها بطولها وهو يرى ذلك من منبره فلا يطيقه.
ولكن هذه الرحمة تغدو أدبًا وينقلب ذلك الرفق تربية فيها شيء من الشدة الضرورية عندما يأخذ الحسن والحسين تمرتين، إِي وربِّي تمرتين اثنتين من تمر الصدقة، ويرفع كل منهما تمرته إلى فمه، فينكر ذلك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم إنكارًا لا هوادة فيه، ويمد يده الشريفة إلى فيهما فيخرج هاتين التمرتين قبل أن يذيبهما اللعاب، ويأخذا طريقهما إلى جوفيهما، وهو يقول: "كخ كخ إنهما من تمر الصدقة التي لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"!!
ويا ويل الناس مما يفعل بعض الأبناء، ثم لا يكون توجيه ولا تربية يكون الأبناء بهما قرة عين الآباء في الدنيا والآخرة..
وهل نتأمل تصرف الرجال من الحسن والحسين وهما في سن الأشبال، لنعرف اشتغالهما بمعالي الأمور، وحرصهما على أن تكون أعمال الآخرين رائدة صحيحة؟! فما أكثر الذين لا يلفت أنظارهم من ناشئتنا العزيزة إلا ما يدعو إلى السخرية والتنديد بالآخرين.
لقد رأى الحسن والحسين رجلاً يتوضأ فلا يحسن الوضوء، فأزمعا أن ينصحا الرجل لتصلح عبادته، ويحسن مفتاح دخوله إلى الصلاة، ولكن كيف؟!
إن من النصح ما يغضب ويثير إذا لم تنطلق إليه بوصايا الإسلام بالحكمة والرفق والموعظة الحسنة والمداخلة الذكية، ولقد كان ذلك في حساب ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين – رضي الله عنهما – وهما يتقدمان إلى الرجل فيقولان: إننا نتنازع أيُّنا أحسن وضوءًا، فهل لك أن تنظر إلى كل واحدٍ منا وهو يتوضأ فتحكم أيُّنا أصح وضوءًا؟!
وأبدى الرجل استعداده لما طلبا في فرح وغبطة بالنفوس الكبيرة وإن غلفتها أجسام ناشئة صغيرة!
وتوضأ الحسن فأحسن، وتوضأ الحسين فأصاب، ورأى الرجل ذلك فقال: بارك الله عليكما، والله إن وضوءكما لخير من وضوئي.
ولن أستطرد في تقديم الأمثال للناشئة العزيزة من شباب الحسن والحسين، فذلك مراد لا ينفد، ولكني أوثر مثالاً يعرف منه الأبناء والآباء على السواء كيف تثنى الأخلاق الفاضلة عنان الأعداء وتردهم أصدقاء خلصاء!!
قال الجرداني:
عن عاصم بن المصطفى قال: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي رضي الله عهما، وأعجبني سمته وهيأته وحسن رؤيته، فأثار مني الحسد ما كان يجنه صدري – يخفيه – من البغض لأبيه، فقلت: أنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال: نعم. فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليَّ نظر عاطف رؤوف. ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ )[الأعراف:199-201].
ثم قال: خفض عليك الأمر، أستغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتنا لأعناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك!!
قال عاصم: فندمت على ما فرط مني.
فقال: لا تثريب عليك، يغفر الله لك وهو أرحم الراحمين.. أمِنْ أهل الشام أنت؟! قلت: نعم.
قال: حياك الله وعافاك، انبسط لنا في حوائجك وما يعرض لك، تجد عندنا أفضل ظنك إن شاء الله تعالى.
قال عاصم: فضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، ووجدت أنها قد ساخت بي – هبطت – ثم تسللت عنه لواذًا، وما على الأرض أحد أحب إليَّ من أبيه ومنه.
2- شباب يقدمه فضله:
قدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وقلده إمرة جيش كان من جنوده مشيخة المهاجرين والأنصار وذوي السابقة في الإسلام، إعلاء لمعنوية الحِب ابن الحِب، وتربية عملية لأصحاب النبي - صلوات الله وسلامه عليه – على السمع والطاعة في مرضاة الله تعالى.
وقدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عبد الله بن العباس – رضي الله عنهما – على كبار الصحابة، إشادة بالعلم، وعرفانًا لأقدار الذين يرشحهم فضلهم من الشباب إلى التقديم والإعزاز والإيثار، بله الأكفاء الجديرين بكل تقدير وإكبار.. (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [الأحقاف:19].
فليرتفع شبابنا بأنفسهم إلى مستوى الفضل والعلم حتى تتصل قافلة الأبرار عبر الأعصار، وحتى يشهد لهم بصالح عملهم، ونافع عملهم، كما كان يشهد الكبار لأمثالهم من قبل، فلقد أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج عن غزوة بدر، وأذن له في الخروج إلى أحد، وهو حريص على الخروج مشغوف به، أكثر من شغف اللاهين بالخروج مع أشباههم إلى أماكن لا يكرمون بالتردد عليها.
وأصاب رافعًا رضي الله عنه جُرح يوم أحد من سهم أدركه في المعركة، فقال له الحفي الوفي صلى الله عليه وسلم: "أنا أشهد لك بها يوم القيامة". وهي شهادة ما أعلاها وما أغلاها.
وعاش رافع بن خديج، فلم يلق الله إلا في خلافة عبد الملك بن مروان الأموي، ما نقص جرحه عمره، ولا أدنى من أجله.
3- الشباب في القرآن والسنة:
وخلّد غضبة إبراهيم – عليه السلام – على الوثنية وضيقه بالشرك وهو غض الشباب رقيق الإهاب فقال على لسان قوم إبراهيم: (سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) [الأنبياء:60]. وحسب الشباب أن يسلكهم الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – في عداد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فقال: "وشاب نشأ في طاعة الله" .
4- الشباب في الفكر العربي:
والشباب في الفكر العربي يشغل حيزًا هو أحق به وأهله، ويرحم الله أبا العتاهية فهو يقول:
يا للشباب المرح التصابي.. ... ..روائح الجنة في الشباب
وينتقد أحمد شوقي الشباب في تردده عن المعالي فيقول:
شباب قُنَّع لا خير فيهم.. ... ..وبورك في الشباب الطامحينا
ويدعو الإمام الحسين الشباب للتعلق بالله دون الخلق فيقول:
اغنَ عن المخلوق بالخالق .. ... .. تغن عن الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله.. ... .. فليس غير الله من رزاق
من ظـــــن أن الناس يغنونه .. ... .. فليس بالرحمن بالواثق
وقول الإمام الجليل عبد الله بن المبارك:
ما يفعل العبد بعز الغنى.. ... ..والعز كل العز للمتقي
من عرف الله ولم تغنه.. ... ..معرفة الله فذاك الشقي
وأخيرًا وليس بآخر إليكم أيها الشباب من قلب حريص على مصلحتكم:
ليت لو يسمع النصائح غـــرْ .. ... .. لم يجرب من الحياة أمــــورًا
نحن نعطيه خبرة قـــد بذلنا .. ... .. من نفيس العطاء فيها كثيرًا
فخذوا يا شباب منها ضيـــاء .. ... .. هو يجلو – لا غيرهُ – الديجورا
وأقيموا في نوره ما استطعتم.. ... ..عيشكم راضيًا سعيدًا نضيرًا
لا تدوروا في فكركم، لا تظنوا .. ... .. رأيكم وحده الصواب الأثيرا