الغناء وأثره على قلوب سامعيه

الوصف:


صورة القسم 1

هل هي ثورة؟! لو قلنا ذلك لما كان مستبعدا..
أما كونها ظاهرة فهي حقيقة لا يختلف عليه اثنان، وأمر واقع لا ينتطح فيه عنزان..
أعني بذلك ظاهرة انتشار الأغاني، والكليبات، والحفلات الموسيقية والغنائية في بلداننا وبين أبنائنا..
ولا شك أن أكثر المتعرضين لهذا البلاء، والمكتوين بهذا الابتلاء هم طائفة الشباب ومن دار حول الشباب سنا وعقلا.

وأثر الغناء على قلوب سامعيه مدمر، وكلما كان بلا هدف، وجله كذلك، أو كان فاحشا، وكثير منه يحتوي ذلك.. كلما كان أكثر تدميرا وأشد فتكا بقلب سامعه..

والشريعة الغراء إنما يكون حكمها على الشيء على حسب نفعه وضره، وعلى قدر ما يجلبه من مصالح أو مفاسد.. فقاعدة الشرع "لا ضرر ولا ضرار"، و"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، والأمر إن كانت فيه بعض مصلحة ولكن كانت مفسدته أكبر منعه الشارع وحرمه كما جاء في الخمر: ( يسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا )(البقرة: من الآية219).. فلما كان الإثم أكثر من النفع، والمفسدة أعظم من المصلحة جاء التحريم ومنع الشرع من استعمالها وشربها قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (المائدة:90،91).

وقد تحدث أهل العلم والفضل عن الغناء وأثره وما يحدثه في قلب سامعه وخلقه، وبعضهم تكلموا عن هذا الأثر قبل أن يتكلموا عن حكمه، ذلك أن من رأى الأثر وعرف قدر الضرر أمكنه أن يستخلص الحكم قبل أن يقرأه أو يسمعه؛ ولذلك أحببت هنا أن أسلك هذا المسلك وأبدأ بأثر الغناء أولا ثم بيان حكمه بعد ذلك؛ فهو أدعى للقبول وأقطع للعذر.. وهذه بعض الآثار لا كلها:

أولاً: الغناء يصد عن القرآن:
وهذا لا شك.. فالقرآن كلام الرحمن، والغناء كلام الشيطان، ولا يجتمع القرآنان في قلب إلا أخرج أحدهما صاحبه.
يقول ابن القيم رحمه الله: " الغناء من مكايد الشيطان ومصايده التي يكيد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ويفسد بها قلوب الجاهلين والمبطلين. يبعد به القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان. هو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن".

ويقول أيضا واصفًا أهل الغناء: "قضوا حياتهم لذة وطربًا، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا. مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن. لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك فيه ساكنًا، ولا أزعج له قاطنا. حتى إذا سمع قرآن الشيطان تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت وعلى يديه فطقطت وصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى ميزان أشواقه فاشتغلت".. وما أصدق ما قال الأول:
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة... لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا والله... ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن... فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا... تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى... زجرا وتخويفا بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن... شهواتها يا ذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقا أغراضها... فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع... أسبابه عند الجهول الساهي
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه... خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه... وانظر إلى النشوان عند ملاهي
وانظر إلى تخريق ذا أثوابه... من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
واحكم بأي الخمرتين أحق بالـ... تحريم والتأثيم عند الله

فيا أيها المفتون، والبائع حظه من الله صفقة خاسر مغبون. هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن"؟!!.
ولقد صدق من قال:
حب الكتاب وحب ألحان الغناء .. .. في قلب عبد ليس يجتمعان
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا .. .. تقييده بأوامر الرحمن
وللهو خف عليهم لما رأوا .. .. ما فيه من طرب ومن ألحان

ثانيًا: الغناء رقية الزنا:
قال الفضيل بن عياض: "الغناء رقية الزنا". أي أنه سبيله والداعي إليه والمرغب فيه.
وهذا كلام محكم سديد، وليس معناه أنه لا يزني إلا من كان سامعا للغناء والموسيقى، ولكن معناه أنه إنما يكثر الزنا في أهل هذا البلا، لأنه يهيج القلوب إليه، ويرغب النفوس فيه.. وهذا واقع مشاهد تدل عليه وقائع الناس.

ومن هنا قال يزيد بن الوليد لقومه بني أمية: "يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء. فإن الغناء داعية الزنا".

ونزل الحطيئة الشاعر على رجل من العرب ومعه ابنته مليكة، فلما كان من الليل سمع غناء، فقال لصاحب الدار: كف هذا عني، قال: وما تكره من ذلك؟ فقال: "إن الغناء رائد من رادة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه – يعني ابنته – فإن كففته وإلا خرجت عنك ".

ونزل يوما بقوم، فقال بعضهم لبعض تعلمون لسانه وأنه إذا هجاكم صارت سبة فيكم أبد الدهر.. فمشوا إليه فقالوا: قد نزلت خير منزل فانظر ما تحب فنأتيه وما تكره فنجنبك إياه. فقال: "جنبوني ندى مجالسكم، ولا تسمعوني أغاني شبيبتكم، فإن الغناء رقية الزنا".

قال خالد بن عبد الرحمن: كنا في معسكر سليمان بن عبد الملك فسمع الغناء من الليل فأرسل لهم بكرة، فجيء بهم، فقال: "إن الفرس ليصهل فتستودق الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضبع الناقة، وإن التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليغني فتشتاق إليه المرأة، ثم قال: اخصوهم، فقال عمر: هذه مثله، ولا تحل، فخلَّ سبيلهم. فخلى سبيلهم.

والرجل الغيور يجنب أهله سماع الغناء، فكم من حرة صارت بالغناء من البغايا، وكم من حرٍ أصبح به عبدًا للصبيان والصبايا، وكم من غيور تبدل به اسمًا قبيحًا بين البرايا، وكم من معافى تعرض له فحلَّت به أنواع البلايا ".
فسل ذا خبرة ينبيك عنه...... لتعلم كم خبايا في الزوايا

ثالثا: الغناء ينبت النفاق في القلب:
عن ابن مسعود قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع".
وروي مرفوعًا: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل".
قال الضحاك: "الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب".

وكتب عمر بن عبد العزيز لمؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي مبدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق كما ينبت العشب على الماء ".

فيا سامع الأغاني هذا نصحي إليك، وهذه أدلة الدين بين يديك، فإن أطعت ربك وانتهيت فأعظم الله مثوبتك وهدى قلبك، وإن أبيت إلا الإصرار فقد قدمت فيك الاعتذار.
برئنا إلى الله من معشـــر.. .. بهم مـرض من سمـاع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على .. .. شفـــــا جُرُفٍ ما به من بنا
شفا جرف تحته هـــــــوة .. .. إلى درك كـــــــم به من عنا
وتكرار ذا النصح منَّا لهم .. .. لنـــعـذر فيهـم إلى ربنـــــــا
فلما استهـــــانوا بتنبيــهنا .. .. رجعنا إلى الله في أمــــــرنا
فعشنا على سنة المصطفى .. .. وماتـوا على تنـــتنا تنـــــتنا