لعبة عصر الإمبراطوريات
الوصف:
كانت المرة الأولى التي تعرفت فيها على لعبة age of empires (عصر الإمبراطوريات) الإلكترونية عام 2002، كانت اللعبة قد نزلت حديثا في الأسواق وكنت أعمل حينها في العقبة.
في الليلة الأولى لم أنم، أمضيت الليل كله وأنا أحاول هزيمة أعدائي من الصينيين والكوريين والإنجليز والفرس والأسبان، لكنني مع بزوغ فجر اليوم التالي كنت قد منيت بهزيمة مروعة.
ذهبت إلى العمل شبه نائم، ولم يكن في ذهني شيء سوى العودة إلى شاشة الكمبيوتر وإعادة المحاولة من جديد .
أصابني هوس اسمه age of empires، لم يعد العمل مهما ولا القراءة ولا الكتابة ولا الخروج مع الأصدقاء، شيء واحد فقط هو المهم: أن أبني إمبراطورية عظمى لا تهزم، وأن أصنع جيشا قويا واقتصادًا ضخما يساعدني في تمويل جيشي وتجهيزه لمهاجمة أعدائي من الصينيين والإنجليز والفرس وغيرهم.
الكوريون كانوا الأصعب لأنهم يملكون جيشا جرارا من العربات النارية التي لا تقهر، أما الفرس فلديهم فيلة مدججة بالأسلحة، وأنا (الإمبراطورية العربية) كان لدي المماليك وفرسان أشداء حاولت أن أمدهم بكل وسائل الحماية والبقاء. الأهم كان بناء اقتصاد قوي قادر على تغذية الجيش والصرف على مصانع الأسلحة. المصيبة الكبرى كانت حين يستولى أحدهم على ذهبك ومخازنك، تصبح مهددا ومعرضا للهجوم، لم أعد أنام تقريبا، وصرت أتغيب عن العمل.
بعد أسبوع تمكنت من تحقيق نصرى الأول على إمبراطورية فارس وتلتها الإمبراطورية الصينية التي انهارت تحت ضربات مدفعيتي ومنجنيقاتي وفرساني المدرعين الأشداء .
لست أعرف كيفت تخلصت من هذه اللعبة التي أكلت مني كل وقتي تقريبا، وأخذتني بعيدا عن العالم الواقعي باتجاه عالم آخر وهمي، ولكنه أكثر متعة من قفر الواقع؟! ..
التخلص كان بقرار صعب جدا بعد أن طاردتني اللعبة حتى في أحلامي وكوابيسي. لم أعد أحلم إلا ببناء القلاع وتحصينها لصد عربات الكوريين النارية، وسهام الأسبان الحارقة، وسفن الإنجليز التي تمخر عباب البحر من حولي.
طاردني كابوس رجال الدين من الأعداء الذين يقومون بالتبشير بين فرساني، وتحويلهم إلى أعداء لي بعد أن بذلت الغالي والثمين في تدريبهم وتجهيزهم وتسليحهم ثم يأتي فجأة كاهن ويأخذ بقراءة تمائمه على فرساني في عملية غسيل دماغ مدمرة فإذا بهم ينقلبون ضدي ويأخذون في مهاجمتي من كل صوب. الكابوس كان مرعبا إلى درجة أني صحوت من النوم ناشف الريق مرتجف القلب مشتت العقل.
في اليوم التالي جاءني إنذار من العمل لكثرة تغيبي، وفي نفس اليوم أخذت قراري، وبكبسة زر واحدة عملت "ديليت" (مسح) للعبة. لأعيش في فراغ كامل وخواء مطبق لمدة أسبوع، كنت أجاهد فيه كي لا أعاود تحميل اللعبة. عموما لم يطل الوقت ، كانت لعبة red alert قد نزلت إلى الأسواق لينزل معها قلبي.
كانت هذه كلمات سطرتها يد رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب الأستاذ محمد سناجلة مبينا فيها حال الشباب مع الألعاب الإلكترونية، وهو واقع حقيقي عند كثير من شبابنا الذين أدمنوا ألعاب الكمبيوتر واقتطعوا لها جل وقتهم.
قبل أيام نشرت دراسة أمريكية حول تأثير ألعاب الكمبيوتر والفيديو على الشباب، وقد أجرى الدراسة باحثون من جامعة ميتشغن الأمريكية على عينة من المراهقين شملت 1500 مراهق وشاب تترواح أعمارهم بين 12 ـ 19 عاما. وقد كان النتائج متوقعة في معظمها حيث وجدت الدراسة أن ممارسة الشباب لألعاب الفيديو كان لها تأثير سلبي على أدائه لواجباته المدرسية اليومية.
كما أظهرت الدراسة أن ممارسة الفرد لهذه الألعاب ارتبطت بقضاء وقت أقل في القراءة والمطالعة بمقدار 30 بالمائة. كما أن هؤلاء اللاعبون يخصصون وقتا أقل لأداء الواجبات المدرسية بمقدار الثلث تقريبا أو زيادة قليلا 34% .
ونحن نزيد على هذه الدراسة ما دل عليه الواقع من انطوائية هؤلاء المدمنون لهذه الألعاب، وكثرة انفرادهم عمن حولهم، وحبهم للوحدة والارتباط بالجهاز (كمبيوتر أو فيديو) أكثر من الارتباط بالآباء والإخوة والأصدقاء.
كما أن هذه ا لألعاب تصيب الكثير بقلة التركيز في الدراسة، الذي يواكبة نقص الاستيعاب الذهني بالمقارنة بأقرانهم ممن لا يكثر هذه الألعاب أو لا يلعبها أصلا.
تضييع الوقت الطويل في أمر لا فائدة ترجى من وراءه مع تفويت أمور أهم بكثير من اللعب. وإذا كان اللاعب مسلما فإن كثيرا من الواجبات تضيع منه بسبب الجلوس الطويل أمام هذه الألعاب.
لكن نعود ونقول: إن الشيء الوحيد المهم أمام مدمن ألعاب الكمبيوتر هو العودة للجلوس أمام اللعبة نفسها ولا شيء يهم بعد ذلك... واسألوا من كان بها خبيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد سناجلة جريدة الدستور.(بتصرف يسير)