حدث في ليلة الزفاف 1

الوصف:


صورة القسم 1

قبل أن تقرأ مقالي أرجو أن تقرأ هذا السؤال الذي سأطرحه عليك، وأن تمعن النظر، وأن تجيب عليه إجابة واضحة ـ ولو اضطرك أن تفكر قليلا قبل أن تستأنف القراءة.

ماذا ستفعل ليلة الزفاف؟ وما الذي يشغل بالك عندما تفكر في هذه الليلة؟

هذا إن كنت لم تتزوج بعد، فأما إن كنت قد تزوجت فالسؤال: في أي شيء كنت تفكر ليلة دخلتك؟ وما أهم ما كان يشغل فكرك؟.

لقد حملني على الكتابة تحت هذا العنوان أنني قرأت مساجلات الشباب وتعليقاتهم حول هذا الموضوع على شبكة الانترنت، وقرأت كذلك ما ذكره بعضهم من مواقف حدثت له أو نقلها عن غيره في تلك الليلة مما استحسنه أو رآه عجبا.... وحاولت أن أتعرف على اهتمامات إخوتي وأخواتي الشباب، وما يشغلهم، وما الذي يدور في مخيلتهم وأفكارهم حول هذا الأمر.

حتى لا يكون عبثا:
وحتى لا يكون الموضوع مجرد عبث أو مضيعة للوقت أقول:
إن الكتابات والتعليقات تدل على الاهتمامات والعقليات وطرق التفكير، كما تدل على واقع الحال أيضا، وهو ما يمكن أن يستنتج الإنسان منه مستقبل أمته من خلال اهتمامات شبابها.

لا أبالغ إن قلت إن الكثرة الكاثرة قد جعلت عقلها على السرير (وآسف جدا لهذا اللفظ) وكأن الأمر لا تعلق له إلا بهذه الغريزة التي فطرت عليها المخلوقات كلها ـ بما فيها بنو آدم ـ، هذه تنبيهات فلان، وتلك تحذيرات علان، وتلكم نصائح أختكم الفلانية، ورابع يشرح وخامس يدقق ويمحص، وسادس وسابع..... مع ذكر أدق التفاصيل بعبارات فجة في أكثر الأحايين تجرح الأحاسيس ويندى لها جبين كل من بقي عنده قطرة حياء.

إنني لا أقلل من الإلمام بالثقافة الجنسية المعقولة والتي منحنا إياها الشرع المطهر وقدمها لنا مغلفة بسياج من الأدب الجم و الأسلوب الراقي الذي لا يجرح شعورا، ولا يمس حياء.

وإنما الذي يحزن المرء أن يجد صفوة أبناء الأمة ـ وهم شبابها وصانعو مستقبلها ـ قد طالتهم أيدي التغريب، ودهسهم قطار الشهوة فلم يعودوا ينظرون إلا إلى هذا الباب الذي فتح علينا ولا ندري متى يغلق.

أدب شرعي
لقد ذكرت كتب الفقه والأدب والحديث وشروحه كثيرا (وأقول كثيرا) مما يتعلق بهذه الليلة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين فيها: كالتلطف مع العروس التي تكون في حالة من أشد حالات الخوف والرهبة، فذكر الأدب النبوي تقديم مشروب لها يهدئ روعها ويسكن خوفها ويبعث على الألفة بين الشريكين الجديدين، وذكر أيضا صلاة ركعتين بين العروسين للاستئناس وزيادة الطمأنينة وغرس المودة، ولتبدأ الحياة على طاعة لله تعين على المراد، وذكروا لنا أيضا الدعاء بالبركة وحصول الخير.. وكل ذلك مقدمات بين يدي ما أحل الله تعالى.
أما ما وراء ذلك فمعلوم؛ ولذلك لم يذكر الشارع إلا ما يحرم منه وترك الباب واسعا " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم ...".

ثم ذكرهم ألا ينسوا في غمرة ما هم فيه أنهم عبيد لله يطلبون رضاه ويقصدون ثوابه حين لقياه فلا ينبغي أن ينسيهم ذلك نية طيبة ومقصدًا ساميا فقال بعد ما سبق: " واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين" .

مفارقات.. ومفارقات:
لقد قرأت في مشاركات الشباب بعض ما ذكروه من مفارقات حدثت لبعض حديثي الزواج أكثرها يدور في الفلك الذي أشرت إليه في أوائل حديثي، وأنا هنا أحب أن أشارك بذكر مفارقات لكن من نوع آخر.. وسأذكر لك موقفا أو موقفين:
الأول: موقف لعبد الله بن عمرو بن العاص وهو من شباب الصحابة رضي الله عنهم جميعا يقول (كما جاء في البخاري وصحيح النسائي وصحيح بن خزيمة " وقد جمعت الحديث في هذا السياق").. يقول: كنت رجلا مجتهدا (يعني في العبادة) فزوجني أبي امرأة من قريش ذات حسب (وهي أم محمد بنت محمية بن جزء الزبيدي)، فكان (أبي) يتعاهد كنته (يعني زوجة ابنه) فيسألها عن بعلها (كيف ترين بعلك؟) فتقول: نعم الرجل من رجل لا ينام الليل ولا يفطر النهار، لم يطأ لنا فرشا ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه (أي أنه لم يقترب منها لانشغاله بالصيام والقيام) قال: فوقع بي أبي، ثم قال: زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها، قال (عبدالله): فلم أبال ما قال لي فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما أجد من القوة والاجتهاد.. فلما طال ذلك عليه (يعني على أبيه) ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم (أي شكاني للنبي صلى الله عليه وسلم). قال القَني به، فلقيته بعد. فقال (رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو): كيف تصوم؟ قال: كل يوم. قال: وكيف تختم؟ قال: كل ليلة..... فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام ويقوم ويفطر ويصوم.... إلى آخر الحديث.

والشاهد هنا كيف أنست العبادة ذلك الشاب الفتىّ ما هو فيه، وشغلته عما نرى أنه لا ينشغل عنه أحد أبدا.

والموقف الثاني: لا تقل عجبا عن موقف عبد الله بن عمرو ولكنه لشاب من شباب التابعين وهو الربيع بن خثيم (على ما أذكر) ففي ليلة زفافه أدخلوه الحمام (وهو أشبه بالساونا الآن) استعدادا للزواج، ثم بعد ذلك أدخلوه على زوجته.. فلما دخل بها وقف يصلي حتى الصباح.. فعذله الناس ولاموه.. فقال: أدخلتموني الحمام فذكرت النار، ثم أدخلتموني على امرأة فذكرت الجنة والحور العين؛ فقمت أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار!!.

فانظر كيف أنساه طلب الجنة وخوف النار ما هو فيه..؟!

وأنا لا أطلب من إخواني وأخواتي أن يكونوا كعبد الله بن عمرو ولا كالربيع (وإن كنت أتمنى ذلك)، ولكني أطلب منهم وأريد لهم ألا يكونوا أسرى الشهوات أو عبيد الملذات.. وبعد ذلك فليفعلوا ليلة الزفاف ما شاءوا .. فليبارك الله لهم، وليبارك عليهم، وليجمع بينهم في خير.