شروط الدعاء

الوصف: أن يكون الداعي عالمًا بأن الله وحده هو القادر على


صورة القسم 1

أن يكون الداعي عالمًا بأن الله وحده هو القادر على إجابة دعائه: فلا يجلب له النفع إلا الله، ولا يكشف عنه السوء إلا هو، قال تعالى:[أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء] النمل

وهذا هو التوحيد العلمي الاعتقادي توحيد الربوبية ألا يدعو إلا الله: فلا يجوز له أن يسأل إلا الله، أو أن يدعو غيره معه؛ لأن هذا شرك بالله عز وجل، قال تعالى:[وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحد] الجن

وقال النبي " لابن عباس رضي الله عنهما: وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله

وهذا هو التوحيد العملي توحيد الألوهية

أن يتوسل إلى الله بأحد أنواع التوسل المشروعة: لأن هناك توسلاتٍ مشروعةً، وهناك توسلات ممنوعة، سيأتي ذكرها فيما بعد.

ومن التوسلات المشروعة ما يلي:

التوسل باسم من أسماء الله عز وجل أو صفة من صفاته: كأن يقول: اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم أن ترحمني، وتغفر لي، أو أن يقول: يا رحمن ارحمني، يا كريم أكرمني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، أو برحمتك أستغث.

ودليل هذا النوع قوله تعالى:[ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها] الأعراف:180.

التوسل إلى الله بصالح الأعمال: كأن يقول المسلم: اللهم إني أسألك بإيماني بك، أو بمحبتي لك، أو باتباعي لرسولك، أو أن يذكر بين يدي دعائه عملاً صالحًا عَمِلَه ثم يتوسل به إلى الله تعالى.

ويدل على ذلك قوله تعالى:[الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار]آل عمران:16، وقوله:[ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا] آل عمران:193.

ومن ذلك ما تضمنته قصة أصحاب الغار، فإن كلاًّ منهم توسل إلى الله بعمل صالح فاستجاب الله لهم.

فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله " قال: بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق؛ فليَدْعُ كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه.

فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عَمِلَ لي على فَرَقٍ من أرزٍّ، فذهب وتركه، وأني عَمَدْتُ إلى ذلك الفَرَق فزرعته، فصار من أمره أني اشتريت بقرًا، وأنه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعْمَدْ إلى تلك البقر فَسُقْها، فقال لي: إنَّما لي عندك فرق من أرز.

فقلت له:اعمد إلى تلك البقر؛ فإنها من ذلك الفرق، فساقها؛ فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرِّج عنا؛ فانساخت عنهم الصخرة.

فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلةً، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فَيَسْتَكِنَّا ؛ لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلوع الفجر؛ فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا؛ فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.

فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عمٍّ من أحب الناس إليَّ، وأني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت، فأتيتها بها، فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها فقالت اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا

التوسل إلى الله بدعاء رجل صالح حي حاضر قادر: ويدل على ذلك حديث أنس÷عندما جاء الأعرابي والنبي " يَخْطُب يوم الجمعة، فشكى له ما هم فيه من الشدة، فدعا النبي " فلم ينزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته

ومن ذلك ما جاء من توسل الصخابة بدعاء العباس

وتوسل معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، وكذلك ما جاء في خبر أويس القرني

إظهار الافتقار والذلة، والاعتراف بالذنب والتقصير: كأن يقول العبد: اللهم إني عبدك الفقير المقصر على نفسه أسألك بأن تغفر لي.

ويدل على ذلك قوله تعالى عن يونس عليه السلام:[فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين]الأنبياء:، وقوله عن موسى عليه السلام:[رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير] القصص: 24.

4_ تجنب الاستعجال: وذلك بألا يستعجل العبد الإجابة إذا دعا، وألا يستبطئ الإجابة إذا تأخرت؛ فإن الاستعجال من الآفات التي تمنع أثر الدعاء.

فعن أبي هريرة قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يُستجب لي

وعنه أيضًا: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل.

قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟

قال: يقول: قد دعوت، وقد دعوت لم أرَ يستجب لي، فيستحسر عن ذلك، ويَدَعُ الدعاء

قال ابن حجر: معنى يستحسر ينقطع.

وفي هذا الحديث أدب من آداب الدعاء، وهو أن يلازم الطلب، ولا ييأس من الإجابة؛ لما في ذلك من الانقياد، والاستسلام، وإظهار الافتقار

قال ابن القيم: ومن الآفات التي تمنع أثر الدعاء عليه أن يستعجل العبد، ويستبطئ الإجابة، فيستحسر، ويدع الدعاء.

وهو بمنزلة من بذر بذرًا، أو غرس غرسًا، فجعل يتعاهده، ويسقيه، فلما استبطأ كماله وإدراكه تركه وأهمله

5 الدعاء بالخير: فحتى يكون الدعاء مقبولاً عند الله فلا بد أن يكون في الخير بعيدًا عن الإثم وقطيعة الرحم، قال ": يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم

6 حسن الظن بالله عز وجل فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ": ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة

وعن جابر قال: سمعت رسول الله " يقول قبل وفاته بثلاث: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحشن الظن بالله عز وجل

وقال ":يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني

وحسن الظن هو الباعث على العمل، والذي يلزم منه تحري الإجابة عند الدعاء، والقبولِ عند التوبة، والمغفرة عند الاستغفار، والإثابة عند العمل.

وأما ظن المغفرة والإثابة والإجابة مع الإصرار على الذنوب، والتقصير في العمل فليس من حسن الظن في شيء، بل هو من الأماني الباطلة، الناشئة عن الجهل والغرور.

قال الإمام الشوكاني في قوله تعالى في الحديث القدسي:أنا عند ظن عبدي بي:فيه ترغيب من الله لعباده بتحسين ظنونهم، وأنه يعاملهم على حسابها؛ فمن ظن به خيرًا أفاض عليه جزيل خيراته، وأسبل عليه جميل تفضلاته، ونثر عليه محاسن كراماته، وسوابغ عطياته.

ومن لم يكن في ظنه هكذا لم يكن الله تعالى له هكذا.

وهذا هو معنى كونه _سبحانه وتعالى عند ظن عبده؛ فعلى العبد أن يكون حسن الظن بربه في جميع حالاته، ويستعين على تحصيل ذلك باستحضاره ما ورد من الأدلة الدالة على سعة رحمة الله سبحانه وتعالى

7 حضور القلب: فينبغي للداعي أن يكون حاضر القلب، متفهمًا لما يقول، مستشعرًا عظمة من يدعوه؛ إذ لا يليق بالعبد الذليل أن يخاطب ربه ومولاه بكلام لا يعيه هذا الداعي، وبِجُمَلٍ قد اعتاد تكرارها دون فهم لفحواها، أو أن تجري على لسانه هكذا على سبيل العادة.

قال _عليه الصلاة والسلام:واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب لاهٍ

قال الإمام النووي:واعلم أن مقصور الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، والعلم به أوضح من أن يذكر

8 الدعاء بما شُرِعَ: فينبغي للداعي أن يدعو ربه بالأدعية المشروعة الواردة في الكتاب والسنة، أو على الأقل ألا يصادم الأدعية المشروعة بالأدعية البدعية، كأن يتوسل بجاه النبي " أو بالأدعية والتوسلات الشركية، كأن يدعو غير الله عز وجل من الأموات والغائبين وغيرهم.

9 إطابة المأكل: وهو من شروط إجابة الدعاء، قال تعالى:[إنما يتقبل الله من المتقين]المائدة

وكما في الحديث الذي رواه مسلم:إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّي بالحرام فأنى يستجاب لذلك

10 تجنب الاعتداء في الدعاء: قال تعالى:[ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين]الأعراف: 55.

وسيمر الحديث عن الاعتداء عند الحديث عن الأخطاء في الدعاء إن شاء الله تعالى.

11 ألا يشغل الدعاء عن أمر واجب، أو فريضة حاضرة: كأن يشتغل بالدعاء عن صلاة حاضرة كصلاة الفجر، أو الظهر، أو العصر، أو نحوها.

أو أن يترك القيام بحق الضيف إذا زاره، ويشتغل بالدعاء.

أو أن يدع خدمة الوالدين إذا احتاج إليه؛ بحجة اشتغاله بالدعاء.

فلا ينبغي الاشتغال بالدعاء عن أمر واجب، أو فريضة حاضرة.

ولعل في قصة جريج العابد ما يشير إلى ذلك؛ ففي الصحيحين عن حميد بن هلال عن أبي رافع عن أبي هريرة÷أنه قال:=كان جريج يتعبد في صومعته، فجاءت أمُّه.

قال حميد: فوصف لنا أبو رافع صفة أبي هريرة لصفة رسول الله _ صلى الله عليه أُمَّه حين دعته كيف جعلت كفها فوق حاجبها، ثم رفعت رأسها إليه تدعوه، فقالت: يا جريج، إني أُمُّك، كلِّمْني، فصادفته يصلي فقال: اللهم أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فقالت: اللهم إني هذا جريجٌ وهو ابني وإني كلمته فأبى أن يكلمني؛ اللهم فلا تُمِتْه حتى تريه وجوه المومسات.

قال: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن، قال: وكان راعي ضأنٍ يأوي إلى دَيْرِه، قال: فخرجت امرأة من القرية، فوقع عليها الراعي، فحملت، فولدت غلامًا، فقيل: ما هذا؟ قالت: من صاحب هذا الدير.

قال: فجاؤوا بفؤوسهم، ومساحيهم، فنادوه، فصادفوه يصلي، فلم يكلمهم.

قال: فأخذوا يهدمون ديره، فلما رأى ذلك نزل إليهم.

فقالوا له: سل هذا، قال فتبسم، ثم مسح راس الصبي، فقال: من أبوك؟

قال: أبي راعي الضأن، فلما سمعوا ذلك منه، قالوا: نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة.

قال: لا، ولكن أعيدوه ترابًا كما كان، ثم علاه

وفي رواية لمسلم:فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغيٌّ يُتَمَثَّلُ بحسنها، فقالت: إن شئتم لأَفْتِنَنَّه لكم.

قال: فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته، فأَمْكَنَتْه من نفسها، فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج، فأتوه، فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟

قالوا زنيت بهذه البغي، فحملت منك.

فقال: أين الصبي؟

فجاؤوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبيَّ، فطعن في بطنه، وقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: فلان الراعي الحديث.

قال النووي في شرح هذا الحديث: قال العلماء: هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه إجابتها؛ لأنه كان في صلاة نفل، والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب، وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود إلى صلاته.

فلعله خشي أنها تدعوه إلى مفارقة صومعته، والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها، وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه