اداب الدعاء

الوصف: آدابُ الذِّكرِ والدُّعَاء إن للذكر والدُّعَاء آدابًا مشروعة، وشروطًا مفروضة،


صورة القسم 1

آدابُ الذِّكرِ والدُّعَاء

إن للذكر والدُّعَاء آدابًا مشروعة، وشروطًا مفروضة، فمن

وَفَّى وُفِّيَ له، ومن لزِم تلك السيرة على شروط الآداب، أوْشَكَ نَيْلَ ما سأل،

ومن أخلَّ بالآداب استحق ثلاث خلال: المقت، والبُعد، والحرمان، عياذًا بالله تعالى.

ومن هذه الآداب:

لإخلاص في الذِّكْر:

قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ

لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ

دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة:

ورَوَى النَّسَائِيُّ بسَنَدٍ

صَحِيحٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا غَزَا

يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَالَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه

وسلم: «لَا شَيْءَ لَهُ»، فَأَعَادَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ

اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا شَيْءَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا

يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ

وَجْهُهُ

استحباب الإكثار من الذِّكْر:

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي

هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَ

المفَرِّدُونَ» قَالُوا: وَمَا المفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:

«الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ

ورَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بنِ

أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه

وسلم، فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ

حَسَنَةٍ؟»، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا

أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ

حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ.

استحباب الذِّكْر على طهارة:

في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ

أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم

مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ

دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ، فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ

أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ، فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي

رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ،

فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ.

فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي

مُوسَى.

فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ

فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى، فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ:

أَلَا تَسْتَحْيِي، أَلَا تَثْبُتُ، فَكَفَّ، فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ

بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ.

ثُمَّ قُلْتُ لِأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللهُ صَاحِبَكَ،

قَالَ: فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ المَاءُ.

قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئِ النَّبِيَّ صلى الله عليه

وسلم السَّلَامَ، وَقُلْ لَهُ: اسْتَغْفِرْ لِي، وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ

عَلَى النَّاسِ، فَمَكُثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ، فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ

فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ،

فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ، وَقَالَ: قُلْ لَهُ

اسْتَغْفِرْ لِي، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ:

«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ»، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ

ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ

فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ

فَقُلْتُ: وَلِي فَاسْتَغْفِرْ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ

اغْفِرْ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ

مُدْخَلًا كَرِيمًا

استحضار عظمة الله سبحانه وتعالى عند الذِّكر:

قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ

تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج

وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ

قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى

رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾

وقال الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ

إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ

وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ الحج

استحباب البَدَاءة بالثناء على الله جل جلاله:

فقد كان الأنبياء يبدؤون الدُّعَاء بالثناء على معبودهم،

وتقديسه، وتنزيهه، وتعظيمه، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يرغبون في الدُّعَاء.

فهذا إبراهيم خليل الله عليه السلام لما أراد مناجاة مولاه

في استقضاء حوائجه، واستدرار ما في خزائنه، بدأ بالثناء على ربه قبل سؤاله، فبدأ

بقوله: ﴿الَّذِي

خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي

هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا

مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي

يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي

أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ الشعراء:

فأثنى على الله سبحانه بخمسة أثنِيَة؛ أنه الخالق الهادي،

المطعِم المسقي، الشافي من الأوصاب، والمحيي والمميت، والغافر.

ثم سأل خمس حوائج؛ فقال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ

فِي الْآخِرِينَ﴾

فقضى الله سبحانه وتعالى حوائجه إلا واحدة، فقال في الأولى: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾

وقال في قوله تعالى: ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ

الصَّالِحِينَ﴾ البقرة

وفي قوله في سؤاله الثناء في الأمم: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ﴾ الصافات

وقال في قوله: ﴿وَاجْعَلْنِي

مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ [الشعراء ﴿رَحْمَتُ

اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ هود

واعتذر إليه في سؤال المغفرة لأبيه بقوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ

لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾

وقد شرف الله عز وجل هذه الأمة بمثلها، فأنزل عليهم فاتحة

الكتاب، أولها ثناء وتمجيد إلى قوله: ﴿وَإِيَّاكَ

نَسْتَعِينُ﴾ وسائرها دُعَاء.

وهذا موسى عليه السلام قدَّم الثناء على الله تعالى؛ فقال: ﴿ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا

وَارْحَمْنَا ﴾ الأعراف

ورَوَى البُخَارِيُّ في حَدِيثِ

الشَّفَاعَةِ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَيَأْتُونِي،

فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي،

وَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لَا تَحْضُرُنِي الآنَ، فَأَحْمَدُهُ

بِتِلْكَ المَحَامِدِ، وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ

رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ:

يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي

فقدَّم بين يدي الشفاعة تحميدًا وتمجيدًا.

ورَوَى أَبُو دَاوُدَ بسَنَدٍ

صَحِيحٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ

صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ تَعَالَى،

وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى

الله عليه وسلم: «عَجِلَ هَذَا»، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: - أَوْ لِغَيْرِهِ -

«إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ،

وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،

ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ

استحباب البَداءة بتوحيد الله سبحانه وتعالى عند الدُّعَاء:

كما فعل ذو النون: ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ

سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء:

87].

ناداه بالتوحيد، ثم نزَّهَه عَن النقائص والظلم بالتسبيح،

ثم باء على نفسه بالظلم، اعترافًا واستحقاقًا.

قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ [الأنبياء: 88].

استحباب البكاء عند الدُّعَاء، وعند ذكر الله في الخَلْوة:

في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

«سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:

الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ

مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ

وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ،

فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ

شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ

عَيْنَاهُ.

العزم في المسألة والدُّعَاء:

ينبغي للسائل أن يسأل ربه بعزم وجِدٍّ وحزم، ولا يقل: إن

شئت أعطني، أو: إن شئت فاغفر لي، ونحوه.

ففي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ

أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

«لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ

ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ

لَهُ

وفي الصَّحِيحَيْنِ أيضًا

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا

دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ، وَلَا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ

فَأَعْطِنِي، فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ.

أن تسأل للمؤمنين مع نفسك:

قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [محمد

استحباب إخفاء الدُّعَاء، فلا يَسمَعُه غير من يناجيه:

قال الله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف:

قال الحسنُ رحمه الله: «لَقَدْ

كَانَ المسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاء وَمَا يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ

إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ.

لزوم التضرع والاستكانة عند الدُّعَاء:

إذا سألت الله تعالى في شيء فالزَم التضرع والاستكانة،

واعزِل نفسك عَن القدرة والتعاظم، ألا ترى إلى قول يعقوب عليه السلام: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ

تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ [يوسف:

67].

فتم له ما أراد، وقال يوسف عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ

مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ

إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ

لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾

[يوسف: 33، 34]؛ أي: سميع الدُّعَاء؛ فتمَّ له أمره حين اعترَف بالافتقار، وأخرَج

نفسه من الحول والقوة، وفوَّض الأمر إلى ربه سبحانه وتعالى.

أن يكونَ الذاكرُ على أكملِ الصفاتِ:

فإن كان جالسًا في موضع استقبل القِبلة، وجلَس متذللًا

متخشعًا بسكينة ووقار مطرِقًا رأسًه، ولو ذَكر على غير هذه الأحوال، جاز ولا كراهة

في حقه، لكن إن كان بغير عذرٍ، كان تاركًا للأفضل.

والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: ﴿إِنَّ

فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ

لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ

يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ

فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا

سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل

عمران: 190، 191].

استحباب الإلحاح في الدُّعَاء:

في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ

عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم

كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، إِذْ

قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُور بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ

عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ بِهِ،

فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ

بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ لَا أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي

مَنَعَةٌ، قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ،

وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى

جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله

عليه وسلم رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ»، ثَلَاثَ

مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ

أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: «اللَّهُمَّ

عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ

رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ

أَبِي مُعَيْطٍ» - وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ -، قَالَ: فَوَالَّذِي

نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه

وسلم صَرْعَى، فِي القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ

وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ

بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ

يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا، فَقَالَ: يَا

رَسُولَ اللهِ: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ

يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، فَقَالَ:

«اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا»، قَالَ أَنَسُ: وَلَا وَاللهِ مَا نَرَى فِي

السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ

سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ، وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ

مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ،

قَالَ: وَاللهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ

البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ

يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: هَلَكَتِ

الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللهَ يُمْسِكْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ

حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ

وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» قَالَ: فَانْقَطَعَتْ،

وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْس

رفعُ اليدين واستقبالُ القِبْلَةِ عندَ الدُّعَاء:

في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ

أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ

فَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ

أَبِي عَامِرٍ» وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ

يَوْمَ القِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ

وفي الصَّحِيحَيْنِ أيضًا

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه

وسلم لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ،

وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.

ورَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ

بْنِ الخطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ

رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى المشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ،

وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ

اللهِ صلى الله عليه وسلم الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ

بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا

وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ

الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ»، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ،

مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ

مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ، فَأَلْقَاهُ عَلَى

مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ،

كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ،

فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿ إِذْ

تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ

الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]، فَأَمَدَّهُ اللهُ بِالملَائِكَةِ

رَوَى أَبُو دَاوُدَ بسَنَدٍ

صَحِيحٍ عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه

وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ

عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا

استحبابُ تطيبِ الفمِ بالسواكِ قبل الدُّعَاء:

فإن كان فيه تغيُّرٌ أزاله بالسواك، وبالغَسْلِ بالماء.

رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ

عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «السِّوَاكُ

مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ.

استحباب ردِّ السلامِ وتشميتِ العاطسِ:

إذا سلَّم عليه رد السلام ثم عاد إلى الذِّكْر، وكذا إذا

عطس عنده عاطس شمَّتَهُ ثم عاد إلى الذِّكْر، وكذا إذا سمع الخطيب، وكذا إذا سمع

المؤذن، أجابَه في كلمات الأذان ثم عاد إلى الذِّكْر، وكذا إذا رأى مُنْكرًا

أزاله، أو معروفًا أرشد إليه، أو مسترشِدًا أجابه ثم عاد إلى الذِّكْر؛ وكذا إذا

غلبه النعاس أو نحوه، وما أشبَه هذا كله.