جوالك جزء من شخصيتك
الوصف: الجوال جهاز فرض نفسه على الدنيا بأسرها، لما له من براعة في التواصل مع الغير في أي مكان وزما
الجوال جهاز فرض نفسه على الدنيا بأسرها، لما له من براعة في التواصل مع الغير في أي مكان وزمان، مما يوفر الوقت والجهد.. ورغم أنه وسيلة عصرية إلا أنه لا يخرج استعماله عن منظومة الآداب الإسلامية التي تتسم بها شخصية المسلم، بل لا نبالغ إذا قلنا أن حُسن استخدام هذا الجهاز من حُسن سمت المسلم، لما فيه من الآداب الكثيرة التي هي مكون قيمي من مكونات الشخصية الإسلامية وآدابها.
• اتصالك بشخص على الجوال لا يقتضي بلزوم رده عليك، فقد يكون المستقبل قد ضبط جهازه على وضع صامت، أو ربما في مكان به ضوضاء شديدة قد لا تمكنه من سماع رنات هاتفه، أو في حالة نفسية أو انشغالية يصعب معها الحديث مع أحد.. أو غيرها من الأعذار التي ينبغي أن نتلمسها للناس، وفي الحكمة: «التمس لأخيك مائة عذر».
• الانفراد بالحديث مع شخص بالجوال معناه أنك قد اقتنصت جزءًا من وقته، وأقحمت نفسك في دائرة أحداثه، واستحوذت على فكره، ولكن أيضا لا ترى حاله بالعين المجردة، فربما يكون في اجتماع مهم، أو أمام آلة دوارة، أو في حالة نفسية سيئة لا تسمح بالحديث.. ولذلك ينبغي الاختصار قدر الإمكان، والتعبير عن المقصود بأوجز الكلمات، خاصة وأن الثرثرة معيبة في حق الفضلاء، فإن كان الموضوع الذي تتحدث فيه يحتاج إلى إطالة فينبغي أن تستعلم أولا من محدثك، هل هو في وقت يسمح له بالشرح والإسهاب؛ لأن الاسترسال في الكلام مع وجود ما ينغص لدى المستمع يشتت فكره ويفوت المقصود من الحديث معه.
• تجنب الاتصال في الأوقات التي لها خصوصية يتأبى معها الحديث، كأوقات الصلاة، وغالبا ما تستمر من الآذان وحتى نصف ساعة بعده، فكثيرا ما نسمع الألحان ومختلف الرنات في المساجد، وهذه ظاهرة لا تليق بحرمة المساجد، وكل هذا بسبب اتصال الثقلاء الذين لا يراعون حرمة الوقت والمكان.
• من الأوقات الحرجة -أيضا- فترات النوم التي غالبا ما يعتاد الناس الراحة فيها، كجوف الليل ووقت القيلولة، وهذا ما أشارت إليه الآية -ولو من بعيد-: {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
}[النور:58].
• الجوال من أيسر الوسائل العصرية لتدعيم تواصلك بالآخرين، فمجرد الاتصال على زميل أو جار أو صديق مسافر لتطمئن على سلامة وصوله إلى مقصده إنما هو تعبير عن وضعك الآخرين في بؤرة اهتمامك، الأمر الذي يزيد من محبتك لديهم. ويندرج تحت هذا الأمر الاتصال بالزوجة وأنت في مكان عملك لتطمئن على أحوالها، وتسألها عن أي أغراض تحتاجها لتشتريها لها وأنت في طريق العودة، ويا حبذا لو تخللت المكالمة بعض الكلمات الرقيقة والدعوات الجميلة، فكل هذا من شأنه أن يزيل الجفوة بين الزوجين، ويذهب ملل الحياة الزوجية الذي يعاني منه الكثيرون، أما الأولاد -وخاصة في سن المراهقة- فيرضيهم غاية الرضا أن يكونوا في قائمة سلم أولوياتك، وما أجمل المكالمة قبل دخولهم لجنة الامتحان بدقائق تشحذ فيها همتهم، وتذهب بها رهبة الموقف، وما أروعها -أيضا- من مكالمة فور خروجهم من الامتحان لتطمئن بها على مستوى الامتحان .. وغيرها الكثير من المكالمات في مواقف متعددة تسعد من حولنا، وتدعم تواصلنا معهم، فأجمل شيء نمنحه لمن حولنا، الاهتمام بأمورهم قبل أمورنا، وإيثار أحوالهم على أحوالنا، وقد مدح الله تعالى الأنصار العظماء إبان الهجرة بقوله عز وجل: {
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
} [الحشر:9]، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «
ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق
» [صحيح الجامع:5721].
• لا ننسى أبدا فتوى كثير من العلماء المعتبرين بأن الاتصال بذوي القربى للاطمئنان على أحوالهم يعد من صلة الأرحام التي أوصانا الله بها، وما أجملها من فتوى تتماشى مع روح العصر والتيسير الذي أمرنا الله تعالى به، خاصة بعدما تعقدت الأحوال، وزادت الانشغالات، وبعدت الديار، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «
ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم
» [صحيح الجامع:5391].
• كان أحد الفضلاء يستخدم طريقة رائعة لتأليف القلوب، حيث يخرج من جيبه زجاجة عطر ويعطر محدثه، فاقتبسها أحدهم وشحن جواله بالعديد من الفلاشات الدعوية والأنشودات الجميلة ومقاطع تلاوة القرآن العذبة، وكان يحرص على إهدائها للغير عن طريق الجوال بخاصية البلوتوث.
• من أجمل السلوكيات الدعوية المنتشرة بين الإخوة المسلمين، الحرص على إيقاظ بعضهم البعض في صلاة الفجر برنات الجوال، ووالله ما أجملها من سنة، وما أحلاه من تعاون، فتجد الأخ وهو في طريقه للمسجد فجرا لا يبخل على مجموعة من إخوانه برنات جواله، في تعاون على الخير، اقتداء بكلام الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: «
كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله
» [صحيح الجامع:4556]، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: «
من سن سنة حسنة، عُمل بها بعده، كان له أجره، ومثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء
»[صحيح الجامع:6306].
• تعرف على جوالك.. فلا تبخل على نفسك في أوقات فراغك بالتعرف على إمكانات جوالك، والخدمات العديدة التي قد تنتفع بها من خلاله، فكثير من الناس لا يعنيه من الجوال إلا الاتصال واستقبال المكالمات، وبالتالي تنحصر معرفته بجهازه في حدود مفتاح الغلق والفتح، حتى أن البعض يعسر عليه إضافة رقم جديد إلا بشق الأنفس، وقد يستعين بصديق أو مار بالطريق لكي يسجل له الاسم، وهذا عين الغبن، وقمة الكسل، في حين أن التدرب على هذه الأمور لا يكلف شيئا، وشين بالمرء أن يستجدي العلم ويظهر بمظهر الأمي الجاهل وهو يقدر على المعرفة، وعلى الجانب الآخر هناك من يقرأ القرآن من الجوال الذي أغناه عن حمل المصحف، وأعلم أخا داعية قد اكتشف في جوالة خاصية قراءة ملفات (PDF) فما كان منه إلا أن أضاف للجوال كل خطبه للجمعة ومحاضراته الدعوية، وصار يلقيها قراءة من الشاشة عوضا عن الذاكرة.. وغيرها من الأفكار والخدمات التي وفرتها التقنية الحديثة، وحان دورنا أن نستفيد منها غاية الاستفادة لتوفير الوقت والجهد.
• مضار الجوال أشهر من أن تذكر، ومعصية الله عز وجل قد تكون بالجوارح وقد تكون بآلة مساعدة، فقبيح بالمرء -مثلا- أن يسجل مكالمة للمتحدث معه وهو لا يعلم، فقد ينبسط المرء في الكلام ثقة بالمستمع، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «
إنما المجالس بالأمانة
» [صحيح الجامع:2330] أي أن المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة، أي كتمان ما يقع فيها من التفاوض في الأسرار، فلا يحلّ لأحد من أهل المجلس أن يفشي على صاحبه ما يكره إفشاؤه. وهذا يشمل أيضا التصوير.
• أعيذك بالله أن يكون جوالك سبيلا إلى دخول النار، حين تستعمله في إرسال مالا يحل النظر إليه من صور أو أفلام أو مقاطع، أو ما يحرم الاستماع له من أغنيات أو موسيقى أو غيرها، أو حتى ما تحرم قراءته من كلمات أو موضوعات أو نكات أو غيبة أو نميمة، فتكون أنت أول من أرسلها وينشرها الآخرون من بعدك، فتتضاعف سيئاتك، وتبوء أنت بإثمها، فقد جاء في الحديث: "ومن دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ من تبِعه، لا يُنقِصُ ذلك من آثامِهم شيئا"(رواه مسلم).