حدد هدفك

الوصف: انطلق رجلان إلى إحدى المدن الكبيرة، الشهيرة بكثرة مبانيها الشاهقة والمتجاورة، فلما وصلا


صورة القسم 1

انطلق رجلان إلى إحدى المدن الكبيرة، الشهيرة بكثرة مبانيها الشاهقة والمتجاورة، فلما وصلا إلى تلك المدينة قاصدين صاحباً لهما، كان مقره في الدور الأربعين في أحد ناطحات السحب.. دخلا المبنى وأخذا ينظران يمنة ويسرة.. أين المصعد؟.. أين المصعد؟.. وجداه، فانطلقا نحوه.. لكنهما فوجئا بأن المصعد معطّل.. فكّرا فلم يجدا بداً من الصعود عبر السلم (الدرج).. بدءا في الصعود وهما يتجاذبان أطراف الحديث حول هذه المدينة ومبانيها الكثيرة المرتفعة والمتجاورة، وفي أثناء حديثهما التفت أحدهما باتجاه صاحبه وهو يقول له: عندي لك خبران، أحدهما سعيد والآخر حزين، فبأيهما تود أن أبدأ؟ فرد عليه: ابدأ بالسعيد. قال: لقد وصلنا إلى الدور الأربعين. أما الآخر: فلقد دخلنا مبنى غير المبنى الذي نريد!!

أروع ما في الوجود أن تجد قلوبا صادقة وعقولاً ناضجة تبحث عن الحق وتفتش عن الخير.. قلوباً لا يقتلها اليأس ولا تعرقل مسيرتها عوامل الزمان والمكان.. العلم ديدنها، والصدق رفيقها، والإخلاص محورها.. أهدافها واضحة، وخطاها مرسومة.. تخطط قبل أن تبدأ العمل.. فالإنسان بلا هدف وبلا غاية هو إنسان تائه، يضيع ويتخبط هنا وهناك.. لا يعلم إلى أين يتجه، ولا أين ينتهي.. تقوده نفسه إلى حيث يقودها هواها.. لا يفكر بالعواقب، ولا يدرك معنى للضياع.. تجده يتخبط يمينا ويسارا حتى يسقط في الهاوية وهو لا يشعر.. مخدر الفكر، مشلول القدرة، مسلوب النجاح.

أين اتجاهك الحقيقي؟
وكل جهد في غير اتجاه هدف مثمر فهو جهد ضائع. فاسأل نفسك: أين اتجاهك الحقيقي. ولأي هدف تسير؟..
إن الهدف للإنسان كالمنار للسفينة، وكالبوصلة للطائرة. بدونها تتيه السفينة في المحيط، وتتخبط الطائرة في الفضاء. والإنسان الناجح هو ذلك الإنسان الذي يسير ويتحرك ويتصرف ويتكلم بناء على أهداف مرسومة يعمل على تحقيقها، أما الإنسان الذي ليس له أهداف فإنه سيبقى يراوح مكانه.

وتحديد الهدف بدقة ينمِّي فينا تلقائياً «الانضباط الذاتي»، أو بالأحرى الانضباط الروحي، ويركز المجهود، والحماس، والإبداع، كما أن تحديد الهدف بدقّة يحثّ الفرد على ترتيب ميزانية أوقاته يوماً بعد يوم، فأفضل طريقة لهدر الوقت هي أن نميته بدون عمل معين.
والإنسان الذي يعلم إلى أين هو سائر، المصمم على أن يصل إلى هدفه، يكون له تأثير على كل من يقع ضمن دائرة سيره.

إليك هذه التجربة البسيطة:
انزل إلى الشارع، فإن كنت غير مصمم على الذهاب لمكان ما، فإنك تصطدم بكل من في الطريق. ثم عاود السير في الطريق عندما يكون عندك موعد مهم، فإنك ستحس أن الناس يفسحون لك مجال أفضل للمرور.

وأخيرا فتحديد الهدف بدقة يجعل الإنسان يشعر بالانتصار.. إنك أمام أحد أمرين: إما أن تشعر بانتصارك، وإما أن تخفق في هذا الشعور. ولا تستطيع أن تعيش الشعورين في نفس الوقت.

خصائص الهدف الناجح
• التحديد والوضوح: أي تعيين الهدف بشكل واضح لا يشوبه الغموض أو الاستفهام، والتحديد بالضبط ما هو المطلوب، لأن تشويش الرؤية والغموض في تحديد الهدف ورسم أبعاده هي أول خطوة في طريق الفشل والتضييع في الجهود والطاقات، فإذا قلت مثلا: "إن هدفي رفع الإنتاج" فهذا هدف غير محدد. فلا بد أن يكون هناك معايير لقياس هذا الهدف من خلال الكمية أو النوعية أو النسبة المئوية أو الزمن أو جميعها.. فاجعل هدفك رفع الإنتاج بنسبة 10% خلال 6 أشهر مع المحافظة على مستوى الجودة مثلا.

• أن يكون الهدف ممكناً: أي أن يكون واقعياً لا خيالياً وهمياً، لأن الكثير من الناس يعيشون حياتهم في سماء الأوهام والخيالات، كما أن آخرين يعيشون أسرى الواقع الحاضر لا يتجاوزونه، فيكون مناسباً لك تحديد «قدر الهدف» المطلوب إنجازه، وأن تمتلك أو تقدر على امتلاك ما تحتاجه من موارد لتحقيقه.

• أن يكون إيجابيا وأن يستحق العمل من أجله : لابد أن يكون الهدف أعظم نفعاً وفائدة وأهم وأعلى قيمة من الثمن الذي يقدم للوصول إليه.

• حذار من صيغ النفي: صيغة النفي تعمل بشكل عكسي، فترسخ صورة سلبية في اللا وعي. فإذا طلب منك – مثلا - أن لا تفكر في حصان أبيض له أجنحة يطير في الهواء، فإنك بالتأكيد سوف تفكر في تلك الصورة، مع أنه طلب منك ألا تفكر.. إذن أهدافك ينبغي ألا تشتمل على صيغة النفي أبدا.

• ضع مسئولية تحقيق الهدف على نفسك: عندما تضع أهدافك ينبغي أن تكون هي أهدافك أنت فعلا لا أهداف شخص آخر، وبالتالي فمسئولية تحقيقها ستكون عليك أنت بشكل كامل. ولا يعني هذا أن لا نستعين بأحد، ولكن عليك أن تتابع الأمر بنفسك، وتتحقق من سير الأمور على نحو يحقق الهدف.

• التفكير في الدلائل التي تبين الاقتراب من تحقيق الهدف : نحتاج عند وضع أهدافنا إلى تحديد العناصر والعوامل التي تدلنا على المسافة المتبقية للوصول على الهدف .. فكل منا يحتاج لهذه الدلائل لكي تنير طريقنا وتساعدنا على التعديل في مسارنا من أجل بلوغه. وسيكون لها دورا إضافيا في تحفيزنا على الاستمرار في السير نحوه ..نشعر بتقدمنا في الطريق، بعكس من يسير دون أية دلائل على تقدمه، فإنه قد ييأس لعدم وجود ما يشعره بحركته وتقدمه .. مثلا: لو وضع بائع لنفسه هدفا أن يرفع مبيعاته بنسبة 10% خلال 3 أشهر. فأحد الدلائل على تقدمه نحو هدفه: أن ترتفع مبيعاته بعد شهر بمقدار 2%، فيحفزه ذلك على الاستمرار. دليل آخر: أن يتلقى المزيد من طلبات الشراء من عملائه. ودليل آخر: أن يتعرف على عملاء جدد مما يزيد من فرصه لرفع المبيعات .. وهكذا.

• الإيمان بالنسبية: فليس شرطا تحقيق الهدف بنسبة مائة بالمائة، فما كل عقار ينفع لأي مرض، والكمال لله وحده، فسددوا وقاربوا والقصد القصد تبلغوا، وقبول النسبية كحقيقة واقعية في النجاح من الخطوات اللازمة للنجاح.

• دراسة الآثار السلبية: فلو وجد الإنسان أن الهدف الذي يسعى إليه سيكون له آثارا سلبية على حياته تفوق الفوائد التي سيجنيها منه، فعليه أن يختار بين أمرين: إما أن يجد حلولا لتلافي الآثار السلبية قبل الشروع في العمل من أجل هدفه، أو إلغاء الهدف لأنه غير مجد.
وكمثال على الآثار السلبية: الإنسان الذي يرغب في إكمال دراسته العليا، إذا وجد أن تحقيق هذا الهدف سيعيقه عن عمله الذي هو مصدر رزقه، وسيعيقه عن تربية أبنائه تربية سليمة، والوفاء بحقوق الزوجية نحو زوجه، ولم يجد أي وسيلة لتخفيف هذه الآثار، فإن العمل من أجل هذا الهدف يمكن أن يدمر حياته، فعليه إلغاءه أو على الأقل تأجيله.

• تخيل لحظة الوصول ونشوة النصر: تصور الهدف - بجميع حواسك - وقد تحقق .. تصوراً واضحاً إيجابياً، وتخيل نفسك وأنت تعيش مرحلة تحقق الهدف بكل تفاصيلها، وتستمتع بلذة الظفر، فذلك يحفز طاقاتك ويوجه تفكيرك نحو الإبداع في كيفية الوصول.