تثبيط همم الشباب

الوصف: واحدة من مهمات الغزو الفكري لعقول شباب الأمة المسلمة، ولعلها أشدها أثرا على الأمة وشبابها


صورة القسم 1

واحدة من مهمات الغزو الفكري لعقول شباب الأمة المسلمة، ولعلها أشدها أثرا على الأمة وشبابها، وذلك بتشكيكهم في قدرة أمتهم الإِسلامية في مسايرة الأمم الأخرى حضارياً وعلمياً.
ولا شك أن مما يعين على هذا التثبيط قصور المعرفة لدى الشباب، فمن يناقش الجاهل يغلبه، ومن يطرح شبهات على من هو خالي الوفاض، يشككه في أمره.

وشباب المسلمين الذين بهرتهم الحضارات الحديثة، وأساليب الصناعة والمخترعات، ثم بما يحجزه عنهم الغربيون والشرقيون على السواء، من أسرار العلوم والتكنولوجيا، كل هذا وأكثر منه، يدفع شباب المسلمين إلى التعلق بأولئك وفكرهم، وتبنى انتقاداتهم وتشكيكهم في قدرة الأمة المسلمة، على مسايرة هذه الأمم حضارياً وعلمياً، وذلك بوصم الإِسلام وتعاليمه بنعوت كثيرة، واتهامه بالقصور في الميدان: الاقتصادي، والقانوني، والتنظيمي، والإِعلامي وغير هذا من سبل الحياة الحاضرة.

وهذه النغمة ليس بالجديدة، بل بدأها اليهود في المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبثونها فكراً بين المشركين المعاندين للرسالة، وتشكيكاً مع بعض الصحابة في النقاش والشبهات التي تطرح.. ثم كبرت واتسع نطاقها مع الحملات الصليبية.

المستشرقون والدور القذر
ولما بدأ الاستشراق يأخذ سمة الثقافة والإِفادة مع النهضة الأوروبية، ساق الحقد وسوء الفهم كثيراً من المستشرقين لينفثوا سموماً، وينشروا شبهات حول رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، وعدم صدق دلالة ما جاءا به، والأساليب التي نظمت ذلك من حدود وزواجر.. فطرحت المسائل الكثيرة على أنها شبهات تصم الإِسلام بعدم القدرة، ورجاله القائمين عليه، وفي مقدمتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنعوت تقلل من قدرهم، وتضعف من مكانة الاتجاه الذي ساروا إليه، والهدف الذي قصدوه.. وذلك بإطلاق المطامع الدنيوية، والرغبات الشخصية على أعمالهم، ووصمهم بالعنف والشدة، ونعت تعاليم دينهم وحدوده الشرعية بالقسوة، وعدم ملاءمة العصر الذي نعيش فيه لتلك الأحكام.. ثم وضع مقاييس ومعايير تخدم هدفاً ثانوياً وقام بها رجال في مجتمعاتهم عرفوا بالظلم والشدة، كنماذج لرجال الإِسلام وتعاليمه، مع أن البون شاسع، والهدف متغاير. فرجال الإِسلام يريدون ما عند الله، والجزاء الأوفى في الآخرة، وهؤلاء يريدون التسلط والتشفي والمتعة، والانتقام.

وفي العصر الحاضر، الذي أخذ سمة التقنين لكل نظام، والتخصص لكل فن، والتعقيد لكل أمر، يوضع أمام شباب المسلمين وجهات نظر مجسمة، عن قصور الشريعة الإِسلامية، في التكيف مع تلك النظم، وقدرتها في الصمود لتسيير الأحوال، لأنها – حسب مفهومهم – شريعة تقتصر على العبادة.

والحياة الصناعية والعلمية، وأساليب التعامل في الحضارة الراهنة، تتطلب مرونة واتساع أفق، لا يتيسر وفق تعاليم الإِسلام المحصورة في نطاق ضيق لا يستوعب شئون الحياة الحاضر، حسب زعمهم.

ولكي يجدوا لأقاويلهم مدخلاً في أذهان بعض الشباب الفارغة، فإنهم يضربون لهم الأمثال بتمرد رجال العلم والتكنولوجيا في الغرب، على الكنيسة، التي حصرتهم في نطاق ضيق، وشددت على العلم والعلماء في محاكم التفتيش إبان النهضة الأوروبية الحديثة، حتى ظهر عندهم شعار التمرد على الكنيسة ورجالها باسم: دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.

وغير هذا من نماذج وشبهات، يجدر بالموجهين للشباب الإِسلامي، أن يحصنوهم ضدها، ليدركوا، أن الدولة الإِسلامية صلحت وأصلحت المجتمعات منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى قرون متطاولة. استوعبت خلالها العلم والتقدم والحضارة، بشتى مناحيها، وسعدت المجتمعات، واستقامت أحوال الناس في معاشهم وتنظيم حياتهم، بل سعد الغرب بما أخذ من المسلمين من علوم ومعارف، وبما استفاده من تنظيم وتقنين لنواحي أعمال الحياة. ولم تقف حضارة الغرب، إلا على أسس متينة مما أرساه الإِسلام والمسلمون، وما عرفت الإِنسانية منهجاً سليماً في العدالة وحسن الاستقامة، إلا تحت ظل الشريعة الإِسلامية.

شهادات مفكري الغرب
وقد شهد جم غفير من مفكري الغرب والشرق بمكانة الإِسلام، ودوره في إسعاد البشرية، ومنهم "أديسون" الذي قال: "إن الإِسلام لم يكن ديناً للعرب، وإنما هو دين الإِنسانية من أقصى الأرض إلى أقصاها، ولا هو مختص بجيل دون جيل، بل هو لعامة الأجيال إلى منتهى الدهر".

ذلك أن الدين الإِسلامي يحث على العلم بجميع فروعه، وليس علم الحديث والفقه والمنطق والشرع فقط، وإنما كل ما تناله الكلمة من علم الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء وجميع العلوم، والدين الإِسلامي لا يختلف هو والعلم، ولا يمكن أن يختلفا، بل الذي نعلمه أن أكبر العلماء وأرسخهم علماً هم أقربهم إيماناً وخشية لله سبحانه – كما نطق بذلك كتاب الله: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}(فاطر:

ويقول "ماركوس دودز": "ليس في الدين نفسه ما يتعارض مع التقدم العقلي، فالعقيدة التي يتمسك بها المسلمون تترك أوسع مجال للتفكير والتأمل، والدين الذي يخص كل جندي يقع في ميدان القتال في سبيل الله بتاج الاستشهاد، ويعلن في الوقت نفسه أن مداد العالم أغلى من دم الشهيد، ليس من العدل في شيء أن يوصم بأنه دين ظلام".

وصية للشباب
ولذا فإن الشباب في المجتمع الإِسلامي في حاجة إلى أن ينور ذهنه، وتوسع مداركه بمثل هذه الأقوال، وبما صدره كثير من مفكري الغرب، اعترافاً للحق على أنه الحق، حيث أن أمثال: كتاب: (شمس العرب تسطع على الغرب) للكاتبة الألمانية "زيفريد هونكه"، و(القرآن والتوراة والإِنجيل والعلم) للدكتور الفرنساوي موريس بوكاي، و(روح الإِسلام) للمسلم المؤرخ الهندي سيد أمير علي، و(الطريق إلى مكة) للمسلم المجري محمد أسد، وغيرها من الكتب التي اقترن فيها الفكر بالعلم، وهذا من باب مخاطبة الناس بما يعرفون، وإلا فإن في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهم رجال السلف الأول من هذه الأمة ما يغني ويثري: ثقافة وعلماً، وردوداً وتوضيحاً، كما كان الإِمام مالك يقول: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

وفهم الشباب للإِسلام هو الذي سيصلح أحوالهم ونظراتهم للأمور، لأن بذلك العزة والارتقاء، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومتى ابتغينا العز بغيره أذلنا الله".

وإن أهم ما يقف أمام الشباب البلبلة الفكرية، ونقل الفكر إليهم مع التقنية مصحوبة بمناهجها وأصولها المادية، ذلك أن الفكر في النظريات العلمية والفيزياء، ينكر ما وراء الطبيعة، ويرتكز على عناصر مادية إلحادية بحته، حسب صياغاتها، وذلك لقلة المؤمنين في الميدان العلمي.

ويمكن للعالم المسلم تغيير تلك الصياغات بما يتمشى مع الإيمان الحقيقي، وتقديمها للشباب كمادة محببة، مرتبطة بالجذور العقدية، والأصل الإيماني في التفكر الذي أمر الله به الفئة المؤمنة، ومتأصلة في العلماء خشية لله، واعتقاداً في كمال قدرته، وإحاطته بكل شيء، وأن ما علمه البشر ما هو إلا قليل في علم الله جل وعلا، الذي وسع كل شيء علما.