سالم مولى أبي حذيفة القرآني المجاهد
الوصف: هو شاب من شباب الصحابة من المهاجرين الأولين، رفع نفسه بالإسلام والقرآن؛ فارتفع بهما وحلق
هو شاب من شباب الصحابة من المهاجرين الأولين، رفع نفسه بالإسلام والقرآن؛ فارتفع بهما وحلق عاليا، وجاهد في سبيل الله حق الجهاد، حتى استحقت مواقفه أن تدرس للمجاهدين، واستحق بكل فخر أن يوصف بالقرآني المجاهد.
إنه أبو عبد الله سالم بن معقل، مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة.
قال عنه الذهبي في السير: "سالم مولى أبي حذيفة من السابقين الأولين البدريين المقربين العالمين".
وسالم في أصله من اصطخر من بلاد فارس، كان في بداية أمره مملوكا لثبيتة بنت يعار الأنصارية الأوسية، زوجة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، فأعتقت ثبيتة سالما، فتبناه زوجها أبو حذيفة، وكان يحبه حبا شديدا.. حتى إنه زوّجه من ابنه أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة.
وما زال سالم يعيش في كنف أبيه بالتبني أبي حذيفة، حتى نزل قوله تعالى: { ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }(الأحزاب:5).. فحرم الله التبنّي. فصار يدعى سالما مولى أبي حذيفة.
محبته للقرآن:
أسلم سالم قديما في مكة، وكان محبا لكلام الله وقرآنه، حريصًا على حفظه، حتى إنه لما هاجر المسلمون للمدينة كان يُقدّم للإمامة في الصلاة على المهاجرين في قباء، قبل قدوم النبي محمد إلى يثرب، لأنه كان أقرأهم لكتاب الله. كما روي ذلك عن عبد الله بن عمر، ولفظه: (لما قدم المهاجرين الأولون العصبة قبل مقدم رسول الله كان سالم يؤمهم)، وفيهم عمر وأبو سلمة بن عبد الأسد.
وقال الواقدي حدثنا أفلح بن سعيد عن محمد بن كعب القرظي، قال: "كان سالم يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ثناء الرسول عليه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض الصحابة رضون الله عليهم أن يتعلموا القرآن من أربعة من قراء الصحابة، وكان سالم واحدا من هؤلاء الأربعة.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم: [
خذوا القرآن عن أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل
].
وقد كان سالم حسن التلاوة للقرآن، ندي الصوت، يرقق القلوب بتلاوته، ويبهج النفوس بقراءته، ويجذب الناس لسماع ترتيله،
وقد روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استبطأني رسول الله ذات ليلة، فقال: ما حبسك؟ قلت: إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتا بالقرآن، فأخذ رداءه وخرج يسمعه، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة؛ فقال
: [الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك](إسناده
جيد).
ملازمته لرسول الله:
ما إن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب، حتى لازمه سالم كغيره من المسلمين، وسمع منه الكثير من الأحاديث، وقد روى عنه ثابت بن قيس بن شماس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمرو بن العاص. وقد آخى النبي عليه الصلاة والسلام بينه وبين معاذ بن ماعص الأنصاري.. وقيل بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، ولكن إسناده منقطع. كما قال الذهبي رحمه الله.
منزلته وتواضعه
كان سالم رضي الله عنه من سادات المسلمين، وكبراء الصحابة، وقد مدحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وزكاه.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكثر من الثناء عليه وقد بلغ من تزكيته له أنه اعتبره أهلا للخلافة، فقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية عن عمر أنه لما احتضر قال: "لو كان سالم حيا لما جعلتها شورى"(البداية والنهاية: 6/336).
وأخرج الإمام أحمد رحمه الله في المسند عن أبي رافع رحمه الله أن عمر بن الخطاب قال: "لو أدركني أحد رجلين، ثم جعلت الأمر إليه لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح"
وقال أيضا كما في "حلية الأولياء1/177": لو استخلفت سالما مولى أبي حذيفة ثم سألني عنه ربي: ما حملك على ذلك؟ لقلت: رب!! سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: [ إنه يحب الله تعالى حقا من قلبه ].
جهاده واستشهاده
كان سالم رضي الله عنه شغوفا بالجهاد، طالبا للشهادة، مواظبا على حضور الغزوات التي غزاها رسول الله عليه الصلاة والسلام، حريصا على ألا يفوته شيء منها.
وقد كان رضي الله عنه من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتل معه فيها قتال الأبطال، وكان في مقدمة الصفوف فهو بدري، وكان ممن حضر أحدا والنضير وقريظة والأحزاب والحديبية، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الموت على دخول مكة عنوة، وقال الله فيه وفي الذين معه: {
لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا
}( الفتح:18).. وشهد فتح مكة، وغزوة حنين والطائف ومؤته وغيرها. كما أنه كان في جيش أسامة الذي أمر رسول الله بتجهيزه لتأديب الروم وغزوهم قبل وفاته مباشرة عليه الصلاة والسلام.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد العرب شارك مع الصديق في حروب المرتدين، وأبلى فيها بلاء حسنا، وفيها كان استشهاده راضيا مرضيا، مدافعا عن دين الله، ومجاهدا في سبيله.
وقد كان استشهاده في معركة اليمامة في قتال مسيلمة الكذاب وبني حنيفة، وكان واحدا من أبطالها وحامل لواء المسلمين فيها.
قال ابن كثير: (لما أخذ الراية يوم اليمامة بعد مقتل زيد بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، قال له المهاجرون: أتخشى أن نؤتى من قبلك؟ فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا) (البداية والنهاية 6/337).
وقد كانت معركة هائلة، وحربا ضروسا، ذكر الواقدي أنه: "لما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة فقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل، فقطعت يده اليمنى، فأخذها بيساره، فقطعت فاحتضنها وهو يقول: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِين َ}(آل عمران:144). فما زال يحمل الراية حتى صرع، فلما أحس بقرب موته قال لأصحابه: ما فعل أبو حذيفة؟ قالوا قتل. قال: فما فعل فلان. قالوا: قتل. قال: فأضجعوني بينهما. (أي ادفنوني بينهما).
وفي الاستيعاب لابن عبد البر قال: قتل سالم ومولاه أبو حذيفة، فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر رضي الله عنهما. وجزاهما عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.