السميع البصير العليم الخبير
الوصف: هذه الأسماء الجليلة الأربعة غالبا ما يذكر بعضها مع بعض،
هذه الأسماء الجليلة الأربعة غالبا ما يذكر بعضها مع بعض، فيقول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: من الآية58] {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: من الآية134] {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} [النساء: من الآية148] {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} [الإسراء: من الآية17] {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} [الإسراء: من الآية30] {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} [النساء: من الآية35] {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً} [النساء: من الآية148]، {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحجّ: من الآية61] {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: من الآية34] {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشّورى: من الآية27] {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التّحريم: من الآية3] وغيرها من الآيات.
13- السّـمــيــــع عزّ وجلّ.
* المعنى اللّغوي:
(السّميع ) هو من السّمع، ويستعمل في كلام العرب على ثلاثة أوجه:
1- بمعنى إدراك الصّوت، وهو الغالب في استعمالهم.
2- ويأتي بمعنى الفهم وإدراك العلم، ومنه قوله تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:23] أي لأفهمهم، ولو أفهمهم لتولّوا، فجمعوا بين صفتي الجهل والكِبر.
ومنه أيضا قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10].
3- والاستعمال الثّالث هو بمعنى الإجابة والاتّباع، كقوله تعالى:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} [المائدة: من الآية41) {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: من الآية42] {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:47].
* معنى اسم الله تعالى (السّميع ):
هو سبحانه الّذي أحاط سمعه بجميع المسموعات.
فكلّ ما في العالم العلوي والسّفلي من الأصوات يسمع سرّها وعلنها، وكأنّها لديه صوت واحد، لا تختلط عليه الأصوات، ولا تخفى عليه جميع اللّغات، والقريب منها والبعيد، والسرّ والعلانية عنده سواء، قال تعالى:{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الملك:13] وقال:{سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرّعد:10].
* أنواع سمعه عزّ وجلّ: إنّ سمعه جلّ ذكره نوعان:
1-سمع عامّ: وهو يعمّ جميع الأصوات الظّاهرة والباطنة، الخفيّة والجليّة، وإحاطته التامّة بها.
قال الله تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1].
روى البخاري وابن ماجه – واللّفظ له – عن عائشة رضي الله عنها قالت: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ، لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَةُ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ تَشْكُو زَوْجَهَا وَمَا أَسْمَعُ مَا تَقُولُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} ".
2-سمع خاصّ: وهو إجابته السّائلين والدّاعين والعابدين، فالسّائل والدّاعي يجيبه، والعابد يُثيبه.
قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السّلام:{إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]، أي: مجيب، ويقول المصلّي عند الرّفع من الرّكوع: " سمع الله لمن حمده "، أي: استجاب.
وقد يكون خاصّا بأهل عقوبته للدّلالة على شدّة غضبه وسخطه، كقوله تعالى:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:181].
ومثله ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في قصّة رجوعه صلّى الله عليه وسلّم من الطّائف، حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ عليه السّلام فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ).
14- البصير.
فهو الّذي أحاط بصره بجميع المبصَرات في أقطار الأرض والسّماوات، فلا يغيب عنه شيء، ويرى كلّ شيء وكأنّه شيء واحد، لا تختلط عليه المتشابهات، ولا تتشابه عليه المختلطات.
قال الله تبارك وتعالى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس:61].. لذلك قال تعالى:{أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: من الآية26]، أي: ما أبصره ! وما أسمعه !
15- العليم.
فهو المحيط علمه بكلّ شيء، فلا يخفى عليه شيء، يعلم الموجودات كلّها، والمعدومات لو كانت كيف تكون.
قال عزّ وجلّ:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: من الآية29] {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: من الآية231] {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق: من الآية12]، {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: من الآية80].
16- الخبير.
فمصدره الخُبر، كما قال تعالى:{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} [الكهف:68] {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً} [الكهف:91]..
ومعنى الخبير هو: " العالم بما كان وما سيكون "، قاله ابن منظور رحمه الله، وعليه فلا فرق بينه وبين العلم.
وأحسن منه قول الخطّابي رحمه الله في " شأن الدّعاء " (ص63): " هو العالم بكنه الشّيء، المطّلع على حقيقته ".
وقال أبو هلال العسكري في " الفروق " (ص74): " الفرق بين العلم والخُبر: أنّ الخبر هو العلم بكنه المعلومات على حقائقها، ففيه معنى زائد على العلم ".
ثمرات معرفة هذه الأسماء الجليلة.
- الثّمرة الأولى: إثبات ما أثبته الله لنفسه سبحانه:
فإنّ صفة السّمع والبصر صفتا كمال وتعظيم للمولى تبارك وتعالى، وقد أنكر الله على المشركين الّذين يعبدون ما لا سمع له ولا بصر، فدلّ ذلك أنّ لله سمعا وبصرا يليق بجلاله.
قال تعالى:{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} [مريم:42]، وقال:{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [الأعراف:198]، وقال:{أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ} [الأعراف:195]..
وقد روى أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِيعًا بَصِيرًا} قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ ".
قال أبو داود رحمه الله: " وهذا ردّ على الجهميّة ".
- الثّمرة الثّانية: تعظيم المولى تبارك وتعالى:
فهو القائل:{أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ}، فيسمع ويرى دبيب النّملة السّوداء في اللّيلة الظّلماء على الحجرة الصمّاء.
بل يرى ويسمع ما هو دون ذلك من أحقر وأصغر الكائنات، فيرى جميع أعضائها الباطنة والظّاهرة، وسريان القوت في أوصالها، على اختلاف أنواعها وصغرها ودقّتها، ويرى سريان المياه في أغصان الأشجار أصولها وفروعها..
يا مـــن يرى مد البعوض جـنــاحــها في ظـلــمــــة اللّيل البهـيـــم الأليل
ويــرى مــناط عـروقــها فــي نحــرها والمـــخ مــن تــلــك العظــام النُـحَّـل
ويــرى خــريـــر الـدم فـي أوداجــهــا مــتنقــلا مـــن مفصل في مفــصـــل
ويـرى وصـول غذى الجنيـن ببـطنها في ظــلمــة الأحشــاء بغير تـمــقّـل
ويـرى مكــان الوطء من أقـــدامـــهـا في سـيـرها وحـثـيثـها المستـعجـل
ويـرى ويـسمـع حِسَّ ما هــو دونـها فــي قــــاع بــحــر مـظــلــم متـهــول
فسبحان من تحيّرت العقول في جلاله ! وانحنت الجباه والجبال لكماله ! الذي يرى خيانات الأعين وتقلّبات الأجفان، وحركات الجَنان !
- الثّمرة الثّالثة: اليقين بسماع الدّعاء:
إنّ الله الّذي من شأنه أنّه يسمع دبيب النّمل، فلا شكّ أنّه يسمع دعاء أوليائه وأحبّائه.
ولكي يُغرس هذا الاعتقاد في القلوب غرسا، ذكر الله عزّ وجلّ صفة (سماع الدّعاء والنّداء) ضمن الأمور التي تحيلها العادة، حتّى يستحضر العبد قرب ربّه منه أكثر من قرب نفسه إليه.
فقال تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران:38]{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} [إبراهيم:39]..
فالّذي سمع دعاء العقيم بأن يصير ولودا لا شكّ أنّه يسمع دعاء من ضاق عليه الرّزق، وعظم عليه الهمّ، وضاقت عليه الأرض.
ألا ترى أنّ العادة جرت ألاّ يناهض أحدٌ فِرعون، فذكّر الله نبيّيه موسى وهارون بهذه الصّفة (سماع الدّعاء)، وأنّ حالهما وحال عدوّهما لا يخفى عليه تعالى، فقال:{قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طـه:46]..
قال ابن القيّم رحمه الله في " البدائع " (2/238):
" وتأمّل حكمة القرآن الكريم:
كيف جاء في الاستعاذة من الشّيطان الّذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ: ( السّميع العليم) في الأعراف والسّجدة.
وجاءت الاستعاذة من شرّ الإنس الّذين يؤنَسون ويُرَون بالإبصار بلفظ ( السّميع البصير ) في سورة حم المؤمن، فقال:{إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر:56]؛ لأنّ أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر، وأمّا نزغ الشّيطان فوساوس، وخطرات يلقيها في القلب يتعلّق بها العلم.
فأمر بالاستعاذة بالسّميع العليم فيها، وأمر بالاستعاذة بالسّميع البصير في باب ما يُرى بالبصر ويدرَك بالرؤية، والله أعلم ".
- الثّمرة الرّابعة: مراعاة الإخلاص.
فإنّ الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور، فلا ينبغي أن يكون باطن العبد مخالفا لظاهره، وهذا أشدّ أنواع المجاهدة.
روى الإمام أحمد عن أبي عليّ - رجلٍ من بني كاهل - قَالَ: خَطَبَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه فَقَالَ:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ. فَقَامَ إِلَيْهِ رجلان فَقَالَا: وَاللَّهِ لَتَخْرُجَنَّ مِمَّا قُلْتَ، أَوْ لَنَأْتِيَنَّ عُمَرَ مَأْذُونٌ لَنَا أَوْ غَيْرُ مَأْذُونٍ قَالَ: بَلْ أَخْرُجُ مِمَّا قُلْتُ، خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ:
(أَيُّهَا النَّاسُ ! اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ).
فَقَالَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ:
(قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُ).
- الثّمرة الخامسة: التأدّب في الدّعاء:
فلا ينبغي للعبد وهو يعلم أنّ له ربّا سميعا بصرا، عليما خبيرا، أن يجهر بالذّكر والدّعاء إلاّ فيما جاء الدّليل على استحباب الجهر فيه.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فِي سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
( أَيُّهَا النَّاسُ ! ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ! فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا).
- الثّمرة السّادسة: نسبة العلم إلى الله دائما.
فقد قال تعالى:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: من الآية216]، وقال:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: من الآية76]، وقال:{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85].
وقد روى البخاري ومسلم عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ:
(بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لَا ! فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ... فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ).
وكذلك لا يستحي من أن يقول للشّيء لا يعلمه: لا أعلم، فهو العلم كلّه، ولم تستح الملائكة أن قالت:{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة:32]..
- الثّمرة السّابعة: التّسليم والانقياد لأمره حاضرا ومستقبلا.
فإنّه سبحانه عليم بأمره، وخبير بالمأمور، لذلك قال:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. فلا يُخالف أمره خلقه أبدا، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: من الآية54].
(تنبيه):
أثبت بعض أهل العلم لله تعالى اسمين آخرين يقتضيان العلم، وهما: العالم، والعلاّم.
- أمّا العالم: فاستدلّوا له بما ذكره البخاري في " كتاب التّفسير " فقال: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسْمَانِ مِنْ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْعَلِيمِ وَالْعَالِمِ " اهـ.
وبعضهم يرى أنّه صفة وليس اسما، وأنّه لا يستعمل إلاّ مضافا، كقوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: من الآية73]، وقوله:{ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعَْلُونَ} [التوبة: من الآية94]، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد:9] {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فاطر:38]،وقوله:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [الحشر:22].
بخلاف غيره من الأسماء؛ استُعمل مجرّدا من الإضافة: الرّحمن الرّحيم، القدير، السميع البصير، وغيرها.
- أمّا العلاّم: فاستدلّوا له بقوله تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: من الآية116] وقوله تعالى:{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [التوبة:78] وقوله تعالى:{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [سـبأ:48].
وبما رواه البخاري في حديث الاستخارة من قوله: ( وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
وأجاب من لم يُثبته بمثل ما أجاب به في (العالم)، أنّه لم يُستعمل إلاّ مضافا.
والله أعلم وأعزّ وأكرم، وهو الهادي للّتي هي أقوم.