زوجة المقريزي الشابة وبنات اليوم

الوصف: المؤرخ تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي الشافعي الأثري، من أعلام التاريخ، سار


صورة القسم 1

المؤرخ تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي الشافعي الأثري، من أعلام التاريخ، سار شوطاً بعيداً في حدود الفكر والعقل، وبحث في أصول البشر وأصول الديانات، وكانت له دراية بمذاهب أهل الكتاب.

كان حسن الخلق، كريم العهد، كثير التواضع، عالي الهمة فيمن يقصده لنيل العلم والدراسة، محباً للذكر والمداومة على التهجد والأوراد وحسن الصلاة ومزيد الطمأنينة، ملازماً لبيته، يقول فيه الإمام الكبير ابن حجر العسقلاني: "له النظم الفائق والنثر الرائق". وقال عنه أحد المؤرخين: (إن المقريزي كان متبحراً في التاريخ على اختلاف أنواعه، ومؤلفاته تشهد له بذلك).

عُرف بالمقريزي نسبة لحارة في بعلبك تعرف بحارة المقارزة، فيقال: إن أجداده من بعلبك، وإن والده ذهب إلى القاهرة حيث ولى بها بعض الوظائف.

ولد المقريزي ـ حسبما يذكر هو عن نفسه ـ بعد سنة 760 هـ، وحددها ابن حجر فقال: "إن مولده كان في سنة 766 هـ، كما رآه بخط المقريزي نفسه".

أما وفاته فهي محل اتفاق، حيث توفي في القاهرة عصر يوم الخميس 16 رمضان سنة 845 هـ، ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة بحوش الصوصية البيبرسية" (ويكيبيديا).
قلت: وكان يتعصب للعبيديين لانتسابه إليهم لا لعقيدتهم فإنه كان سنيا.

قال في المنهل الصافي:
(تفقه على مذهب الحنفية وهو مذهب جده العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ، ثم تحول شافعياً بعد مدة طويلة لسبب من الأسباب ذكره لي، وسمع الكثير من الشيخ برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد الشامي، ومن ناصر الدين محمد بن علي الحراوي، والشيخ برهان الدين الآمدي، وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والحافظ زين الدين العراقي، والهيثمي، وسمع بمكة من ابن سكر، والنشاوري، وغيرهما، وله إجازة من الشيخ شهاب الدين الأذرعي، والشيخ بهاء الدين أبي البقاء، والشيخ جمال الدين الإسنوي، وغيرهم، وتفقه وبرع، وصنف التصانيف المفيدة النافعة الجامعة لكل علم، وكان ضابطاً مؤرخاً، مفنناً، محدثاً، معظماً في الدول....".

ثم قال: "وكان إماماً مفنناً، كتب الكثير بخطه، وانتقى أشياء، وحصل الفوائد، واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ وغيره، حتى صار به يضرب المثل، وكان له محاسن شتى، ومحاضرة جيدة إلى الغاية لا سيما في ذكر السلف من العلماء والملوك وغير ذلك، وكان منقطعاً في داره، ملازماً للعبادة والخلوة، قل أن يتردد إلى أحد إلا لضرورة، إلا أنه كان كثير التعصب على السادة الحنفية وغيرهم لميله إلى مذهب الظاهر).اهـ.

المقريزي وزوجته
وأنا هنا لا أريد أن أترجم للمقريزي، فهو نار على علم، وإنما نقلت هذه النبذة عنه ليتعرف عليه من كان لا يعرفه، ومقصدي هنا أن أنقل ترجمته التي ترجم بها لزوجته، فقد كان فيها شيء كثير من المعاني الحسان، سواء في وفائه هو نحوها، أو في حسن أخلاقها وحسن تبعلها لزوجها ورعايتها لأولادها؛ حتى أخذت بلب زوجها مع صغر سنها.
ولا شك أن للزوجة الأثر الكبير في حياة زوجها، كما قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: "التعرف على آل عالمٍ ما، يُلقي الضوء على شخص ذلك العالم ومدى اتجاهه واستعداده، وذلك لِما للآل والبيئة التي يعيش فيها الإنسان من تأثير عجيب على تكوينه وانطباعاته وميوله" (ابن قيم الجوزية، حياته، آثاره:37).اهـ .

ترجمة سفرى رحمها الله:
وقد وردت ترجمة المقريزي لزوجته سفرى في كتابه "درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة" حيث قال:
(سفرى ابنة عمر بن عبد العزيز بن عبد الصمد، وُلِدَت بالقاهرة في صفر سنة سبعين وسبعمئة (770)، وعقدتُ نكاحها يوم الخميس خامس عَشْرِي شوال سنة اثنتين وثمانين وسبع مئة (782)، وبنيتُ عليها بعد ذلك، ووُلِدَ لي منها ابني أبو المحاسن محمد في يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وسبع مئة (786)، ثم طلّقتها حادي عشر شهر رمضان من السنة المذكورة، فقدّر الله سبحانه مراجعتها والبناء عليها ثانياً في ليلة الأربعاء ثاني عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وسبع مئة، فرأيتُ تلك الليلة كأن شخصاً على فراشي ينشدني:
أحسنُ ما كنّا تفرقنا ......... وخاننا الدهر وما خُنّا
فليت ذا الدهر لنا مرة ........ عاد لنا يوماً كما كُنّا
فانتبهتُ مذعوراً، وتخيّلت أنها لا تقيم عندي سوى عامين.

ثم وُلِدَ لي منها ابني أبو هاشم علي في يوم الأحد رابع عشري ذي الحجّة سنة تسع وثمانين وسبع مئة (789).

فلمّا كانت في شهر ربيع الأول سنة تسعين وسبع مئة (790) مرِضَت، فبِتُّ مُنَكد الخاطر، فرأيتُ شخصاً ينشدني:
فالعين بعدهم كأن حداقها ......... سُملت بشوك فهي عور تدمع
فاستيقظتُ وقد غلب على ظني أنها تموت من مرضها، فكان كذلك، وماتت عشية الأربعاء من السنة المذكورة رحمها الله.

كثرة استغفاره ودعائه لها:
واتُّفِقَ أني كنتُ أكثر الاستغفار لها بعد موتها، فأُريتُها في بعض الليالي وقد دَخَلت عليَّ بهيئتها التي كفنتها بها، فقلتُ لها – وقد تذكّرتُ أنها ميتة -: يا أم محمد، الذي أُرسِله إليكِ يصل ؟ أعني استغفاري لها.
فقالت : نعم يا سيدي، في كل يوم تصل هديتك إليَّ.
ثم بكت وقالت : قد علمت يا سيدي أني عاجزة عن مكافأتك، فقلتُ لها : لا عليكِ، عمّا قليل نلتقي.

وكانت غفر الله لها – مع صغر سنها – مِن خير نساء زمانها عِفّة وصيانة وديانة وثقة وأمانة ورزانة، ما عُوّضتُ بعدها مثلها .
أبــكي فــراقهــم عــيني فــأرَّقـــهــا .. .. إن التــفــرّق للأحبــاب بــكّــــاء
ما زال يعدو عليهم صرف دهرهم .. .. حتى تفانوا وصرف الدهر عدّاء

جمعنا الله بها في جنته، وعمّنا بعفوه ومغفرته)اهـ .

تأملات مهمة:
ومن تأمل التواريخ التي ذكرها المقريزي الحافظ المؤرخ في ترجمت لزوجته سفرى يلاحظ التالي:
. أنها أنجبت ابنها الأول "أبو المحاسن محمد" وعمرها 16 سنة.
. ثم أنجبت ابنها الثاني "أبو هاشم علي" وعمرها 19 سنة.
. ثم إنها توفيت وهي ابنة عشرين عاما فقط.

ولكنها على صغر سنها ملكت قلب زوجها في حياتها وبعد مماتها، فخلد الله ذكرها ببرها لزوجها، وترحم عليها كل من قرأ ترجمتها.. رحمها الله رحمة واسعة.

وهكذا حسن الخلق والعشرة تدوم مودته في الحياة وبعد الممات، وهكذا يكون الوفاء.
فأين لنا بأمثال المقريزي من الرجال اليوم؟!!!
وأين لنا بأمثال سفرى من الن النساء؟