الشباب بين الترف والاخشوشان
الوصف: روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[
روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ والله ما الفقر أخشى عليكم! ولكن أخشى أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم ].
ليس قصد الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك، انصراف أمته عن كسب المال من وجوهه الشرعية، وصرفه في أبوابه المرضية المرعية، فهو يعلم صلى الله عليه وسلم أن المال قوام الحياة، ويدرك ما للمال من خطر في قوة الإسلام والمسلمين، وغير ذلك من أعمال البر والخير، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم التحذير مما يترتب على جمع المال من الطغيان والتنافس المؤدي إلى الهلاك، وكذلك ما يترتب على كثرة المال والغنى وغلبة التنعم والدعة والرفاهية من الارتباط بالأرض، والقعود عن طلب معالى الأمور، ومن التفلت من الدين ومتطلبات الدين ومهماته. فإن الاستقامة على الدين ـ غالباً ـ لا تكون مع حياة الترف والسرف والنعيم الزائد، لأن هذا النوع من الحياة يورث القلوب قسوةً وجفاء، والأبدان ترهلا وضعفا، والنفوس انشغالا بالملذات وجريا ولهاثا وراء الشهوات، والانشغال بأمور الدنيا عن أمور الآخرة، وبالملهيات عن العظائم ومعالي الأمور.
الترف أخطر الأدواء
إن من أخطر الأدواء التي تودي بحياة الأمم "داء الترف"، وما أدراك ما الترف؟
داءٌ عضال، ومقتٌ ووبال، يقتل النخوة، ويقضي على البطولة، ويخمد الغيرة، ويفرز الوهن، ويكبت المروءة، ويضعف الهمة، ويفرز غثاءً متسكعاً يعيش بلا عقل ولا علم ولا تفكير، في تأنثٍ لم يبق معه إلا أن تلحق بصاحبه تاء التأنيث أو نون النسوة!
إنسان ممتلئ من الخارج، فارغ من الداخل، لا منظر ولا مخبر، هم أحدهم ما يأكله، وقيمته ما يخرجه.. أشباحٌ بلا أرواح، جسومٌ بلا رءوس، والسبب الترف بغير هدف.
يستغيث المستضعفون والمحرومون في الأرض، فلا يُهب لنصرتهم، ومن أعظم الموانع الترف.
يركن إلى الظلمة، والداعي هو الترف.. يحارب الله -جلَّ وعلا- بالربا، والداعي هو الترف.. تثقل الكواهل بالديون، والداعي هو الترف..
يجلس الواحد منهم ريان شبعان متكئاً على أريكته، حتى إذا ما طلب منه نصرة دينه، أو كلف بمهمة، أو عوتب في استغراقه في لهو؛ اندفع كالسهم مردداً: (يا حنظلة ساعة وساعة) وكأنه لا يحفظ من القرآن والسنة الصحيحة غيره.. والسبب الترف.
الشباب والترف
وأما الشباب المترفون فقد قتلهم الترف فلا همة ولا عزيمة، همته همة مقعد، وعزيمته عزيمة زمن؛ قد أخلد إلى الأرض، وغلب عليه حب المادة، وعبادة الدرهم والدينار من دون الله الواحد القهار. همم سافلة، وعقول فارغة، وعمر ضائع وعمل فارغ.
خلت منهم المساجد وامتلأت بهم الملاعب، ولا تكاد تراهم إلا في الملاهي أو على المقاهي، أو في المسارح أو أماكن التنزهات.
سقطت فئةٌ من شباب الأمة في أوحال المسكرات والمخدرات.. وعلى رأس الأسباب الترف.
وغلب الترف على بعضهم فحوله إلى كائن مؤنث مخنث لا تظهر عليه مخايل الرجولة ولا علامات الخشونة والفحولة، لا يميز الرائي ذكرهم من أنثاهم ـ إلا بشق الأنفس ـ حتى سمعنا من يقول: إن بين شباب المسلمين جنسا ثالثا، وما أدراك ما الجنس الثالث.
لو اطلع الغراب على رؤاهم .. .. وما فيها من السوءات شابا
وقد مر بنا زمان كنا نعجب فيه من ترجل النساء، فإذا بنا نرى الشباب قد استنوق وخضع وتأنث (وقد لعن الرسول كلا الصنفين)
وما عجب أن النساء ترجلت .. .. ولكن تأنيث الرجال عجاب
فالترف سبب لضياع الرجولة والخشونة، وهو من أوائل أسباب هلاك الأمم وضياعها، وصدق الله سبحانه وتعالى حيث يقول:{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا لْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً }[الإسراء:16]
النعيم لا يدرك بالنعيم
إننا ننادي على الأمة وعلى شبابها ونقول: إن الاستقامة التامة لا تكون بالترف، وإن النعيم لا يدرك بالنعيم..
وقديما قالوا: لا يدرك الشرف إلا بالكلف، ولن يدرك البطال منازل الأبطال، ولا يدرك السيادة من لزم الوسادة، ولذة الراحة لا تنال إلا بترك الراحة، ودون الشهد إبر النحل، ومن رام اللآلئ زج بنفسه في البحر، وبقدر العنا تنال المنى، وعند تقلب الأحوال تعرف جواهر الرجال، ولا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه، [
ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة
].
ويدندن ابن القيم حول هذا المعنى فيقول ما مضمونه: "إن الخيرات واللذات والكمالات لا تنال إلا بحظٍ من المشقة، ولا يُعبَر إليها إلا على جسرٍ من التعب، وقد أدرك عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق والصعاب، تكون اللذة والفرح". وكلما كانت النفوس أشرف، والهمم أعلى، كان تعب ونصب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقل:
وإذا كانت النفوس كبارا .. .. تعبت في مرادها الأجسام
كذا المعالي إذا ما رمت تدركها .. .. فاعبر إليها على جسرٍ من التعب