أصون عرضي وأحفظ مروءتي

الوصف: أعوذ بالله... أصون عرضي وأحفظ مروءتي. هكذا أجاب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عند


صورة القسم 1

أعوذ بالله... أصون عرضي وأحفظ مروءتي.
هكذا أجاب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما سئل: هل شربت الخمر في الجاهلية؟
قال: أعوذ بالله! فقيل له: ولِمَ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي.

فكأنه يقول: شرب الخمر يعرض الإنسان للطعن في عرضه، وإلى ذهاب مروءته فإن الخمر إنما سميت خمرا لأنها تخمر العقل أي تغطيه، فيصير صاحبه بمنزلة المجنون، يهذي ويؤذي، ويهرف بما لا يعرف، ويتصرف بلا وعي ولا إدراك؛ فيصير مضحكة للصبيان، وملهاة للشباب، ومذموما ناقصا عند العقلاء.
قال ابن أبي الدنيا: "رأيت سكرانا في سكك بغداد يبول ويمسح بثوبه، ويقول: اللهم اجعلني من التوابين ومن المتطهرين".

أم الخبائث ورأس الفواحش
وقد أخرج النسائي وابن حبان في صحيحه، أن عثمان رضي الله عنه قام خطيبا فقال: "أيها الناس، اتقوا الخمر؛ فإنها أمُّ الخبائث". أي أصلها وسببها والمؤدية إليها.

وهذا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وابن ماجة بسند حسن عن سيدنا معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تُشْرِكْ باللهِ شيئًا وإنْ قُتِلْتَ وحُرِّقْتَ، ولا تَعُقَّنَّ والِدَيْكَ، وإنْ أمرَاكَ أنْ تَخْرُجَ من أهلِكَ ومالِكَ، ولا تَتْرُكَنَّ صَلاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فإنَّ مَنْ تركَ صَلاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فقد بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ، ولا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا، فإنَّهُ رَأْسُ كلِّ فَاحِشَةٍ... الحديث"(حسنه ابن حجر والألباني).

لا أريد هنا أن أسرد الأدلة على تحريم الخمر من القرآن والسنة والإجماع والقياس؛ فإن تحريمها معروف مشهور، وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، فكل مسلم يعلم أن الله تعالى قد حرم الخمر.. وإنما أريد أن أخاطب كل عقل سليم صحيح إن كان يشرب الخمر حتى يدعها، وإن كان لا يشربها حتى يعلم نعمة الله عليه فيشكرها.

وأنا هنا أسرد بعض القصص والمواقف الحقيقية لما تفعله الخمر بشاربيها، ففيها كفاية لمن أراد أن يعلم حكمة الله من تحريمها، فإن الله ما حرم شيئا إلا لخبثه، وسوء أثره، وقبيح عواقبه، وهذه كلها وأكثر تجتمع في الخمر.. فإنها تذهب عقل صاحبها، وإذا فقد الإنسانُ العقل أصبح كالبهيمة بل أضلّ، حيث لا يميز بين الحسن والقبيح، والخير والشر، والنافع والضار، ولذك يعمل السكرانُ عملَ المجانين فيَهذي ويؤذي، ويعمل القبائح دون خوف أو حياء، فربما قتل أو زنى أو طلق زوجته، أو ضرب أباه أو أمه، وربما دنس عرضا أو باع ثمينا ببخس،.. فإذا أفاق ندم حيث لا ينفع الندم.

سدانة الكعبة بزق خمر
سدانة الكعبة هو تولي شؤونها والقيام بأمرها، وكان أشرف شيء عند العرب، وكان قد آل إلى قبيلة خزاعة، وكان أمر السدانة بيد رجل من سادتهم يدعى أبا غبشان، واسمه سليم بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن أقصى بن حارثة بن عمرو بن عامر. وبسبب شرب الخمر باع كل هذا الشرف مقابل زق خمر. (والزق: وعاءٌ من جلدٍ، يستخدم للشراب وغيره)(المعجم الوسيط ولسان العرب).. فكيف كان ذلك؟

ذكر الزبير بن بكار في كتاب "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام:65":
أنه في أحد الأيام كان قد اجتمع أبو غبشان مع قصي بن كلاب في الطائف للسكر، فلما سكِرَ أبو غبشان اشترى منهُ قصي سِدانَة الكعبة بوعاءٍ من جلدٍ يُستعمل في الشرب وغيره من الأمور. ثم قام قصي بأخذ مفاتيحه وذهب إلى مكة، وقال: يا معشر قريش، هذه مفاتيح أبيكم إسماعيل رَدَّها الله عليكم من غير غدرٍ ولا ظلم.
وعندما أفاق أبو غبشان ندم ندمًا شديدًا، وذهبت خزاعة إلى قصي، فطالبوه فغلبهم. (أي طالبوه أن يرد عليهم السدانة فأبى)، وانتقل شرف السدانة إلى قصي وقريش. وباعت خزاعة شرف السدانة بزق خمر.

فكان يضرب المثل في الحماقة والندم وخسارة الصفقة بندم أبي غبشان وحماقته وخسارة صفقته، فيقال: "أندم من أبي غبشان"، و"أخسر من أبي غبشان"، و"أحمق من أبي غبشان". كما قيل: "أخسر من صفقة أبي غبشان". وقال بعض الشعراء:
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت .. .. بزق خمر فبئست صفقة البادي
باعت سدانتها بالخمر وانقرضت .. .. عن المقام وظل البيت والنادي

شرب الخمر فزنى وقتل:
روى النسائي بسند صحيح عن عُثْمَانَ رصي الله عنه، قالَ: «اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّه وَاللهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ، وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» (حسنه الألباني موقوفا).

سكر فزنا بأمه وانتحر
وقريب من هذا في زماننا، ما ذكره الشيخ ابن عثيمين في شرحه على بلوغ المرام 5368 قصة غريبة قرأها بنفسه.. فقال:
حَيْثُ نَشَرْتَ إِحْدَى الْجَرَائِدِ اللُّبْنَانِيَّةِ خَبَرَاً عَنْ شَابٍّ تَعَاطَى الْخَمْرَ، وَدَخَلَ عَلَى أُمِّهِ وَهُوَ سَكْرَانٌ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا لِيَفْعَلَ بِهَا الْفَاحِشَةَ فَامْتَنَعَتْ، فَهَدَّدَهَا إِنْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، فَتَرَدَّدَتْ ثُمَّ لَمَّا رَأَتْهُ مُصِرَّاً رَضَخَتْ لِمَصِيرِهَا الأَلِيمِ، وَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ هَذَا الْخَاسِرُ كَأَنَّهُ أَحَسَّ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئَاً قَبِيحَاً وَهُوَ سَكْرَانُ، فَسَأَلَ أُمَّهُ وَحَلَّفَهَا بِاللهِ وَأَصَرَّ عَلَيْهَا أَنْ تُخْبِرَهُ مَاذَا فَعَلَ؟

فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى مَحَطَّةِ وَقَودٍ قَرِيبَةٍ، وَاشْتَرَى جَالُونَ بَنْزِينٍ، وَدَخَلَ الْحَمَّامَ وَأَغْلَقَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جِسْمِهِ الْبَنْزِينَ، وَأَحْرَقَ نَفْسَهُ حَسْرَةً وَأَلَمَاً عَلَى مَا فَعَلَ بِأُمِّهِ!.

فتأملوا: ثَلاثُةُ ذُنُوبٍ كَبَائِرَ مُتَوَالِيَةٍ، شَرِبَ الخَمْرَ ثُمَّ زَنَى بِأُمِّهِ ثُمَّ قَتَلَ نَفْسَه! فَهَكَذَا تَفْعَلُ الْمُسْكِرَاتُ بِصَاحِبِهَا، وَهَكَذَا هِيَ مَجَالِسُ الخَمْرِ، وَهَذِهِ نَتِيجَتُهَا، وَهَكَذَا هِيَ ثِمَارُ الانْحِرَافِ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ!.

فلا غرابة بعد كل ذلك أن الله حرمها، لعنها وَلَعَنَ كُلَّ ما يتعلق بها:
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَ إِلَيْه )[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

خوايتم السوء
ومن عجيب ما يذكر في خواتيم شاربي الخمور، ما ذكره ابن القيم فقال:
احتضر رجل ممن كان يجالس شراب الخمور.. فلما حضره نزعُ روحه.. أقبل عليه رجل ممن حوله.. وقال: يا فلان.. قل لا إله إلا الله.. فتغير وجهه.. وتلبد لونه.. وثقل لسانه.. فردد عليه صاحبه: يا فلان.. قل لا إله إلا الله.. فالتفت إليه وصاح: لا.. اشرب أنت ثمّ اسقني.. اشرب أنت ثمّ اسقني.. وما زال يردّدها.. حتى فاضت روحه إلى باريها..
نعوذ بالله.. { وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل }.

وذكر في أنموذج الزمان:
أن محمد بن المغيث كان رجلاً فاسقاً.. مفتوناً بشرب الخمر.. ولا يكاد يخرج من بيت الخمار.. فلما مرض.. ونزل به الموت وخارت قواه.. سأله رجل ممن حوله: هل بقي في جسمك قوة؟ هل تستطيع المشي؟ فقال: نعم.. لو شئت مشيت من هنا إلى بيت الخمار!
فقال صاحبه: أعوذ بالله! أفلا قلت أمشي إلى المسجد؟
فبكى.. وقال: غلب ذلك عليَّ.. لكل امرئ من دهره ما تعودا.. وما جرت عادتي بالمشي إلى المسجد.

وقال ابن أبي رواد:
حضرت رجلاً عند الموت.. فجعل من حوله يلقّنونه لا إله إلا الله.. فحيل بينه وبينها.. وثقلت عليه.. فجعلوا يعيدون عليه ويكررون، ويذكرونه بالله.. وهو في كرب شديد..
فلما ضاق عليه النفس.. صاح بهم وقال: هو كافر بلا إله إلاّ الله.. ثم شهق ومات.
قال ابن أبي رواد: فلما دفناه سألت أهله عن حاله، فإذا هو مدمن للخمر.

نعوذ بالله من سوء الخاتمة .. بل نعوذ بالله من أم الخبائث.. ورأس الفواحش.