طاعون العصر والوقاية منه
الوصف:
تعجب العلماء من تكرار اللعن على لسان النبي صلى الله عليه وسلم على من عَمل عمل قوم لوط، واحتار خبراء الجيولوجيا في تلك الطريقة التي عذب الله بها أولئك الأشقياء؛ حيث أبادهم الله وخلص الأرض منم آثارهم ونوع عليهم العذاب فطمس منهم الأعين، ورجمهم بالحجارة المسومة، وأهلكهم بالصيحة، وقلب ديارهم رأسًا على عقب، ولم يبق بعدهم حيوان ولا نبات.
لكن هذا العجب بدأ يتلاشى عندما ظهر طاعون العصر (مرض الإيدز)، واتضح للخبراء أن هذه الفاحشة هي المتهم الأول في ظهور المرض، وأن 95% من المصابين كانوا من الشاذين جنسيًا!! وكأنه سبحانه أراد أن يخلص الدنيا من هذا الفيروس الذي لو بقي لما ترك على وجه الأرض أحدًا. وعندما نتدبر القرآن نلاحظ أنه سمي هذا المنكر بـ(الفاحشة)، هكذا معرفّة بالألف واللام. وكأنه أراد أن يقول أنها الفاحشة الفظيعة الكبيرة التي تهتز لها السماوات وتنزل بسببها النكبات، في حين أنه عندما تحدث عن الزنا سماه فاحشة؛ فقال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]، فالزنا فاحشة من الفواحش، أما اللواط فهو الفاحشة التي تفسد المزاج، وتدمر العقل، وتقتل المروءة، وتجلب الغضب، وتدمر النسل، وتنكس الفطر، وتقضي على معاني الرجولة.
وقد سمى القرآن قوم لوط بالظالمين فقال سبحانه: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [ العنكبوت :31]. ووصفهم بأنهم قوم مسرفون فقال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف:81]. وسماهم على لسان نبيهم بالمفسدين فقال سبحانه: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت:30] ، ولما جادل الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام والملائكة في شأنهم قيل له: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود:76]. وهم قوم عادون، فتأملوا حال من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل تلك المذمات.
ولما كانت الجريمة التي جاء بها قوم لوط بدعًا من الجرائم التي لم يسبقوا إليها ناسب أن تكون عقوبتهم كذلك، فإن الفطر السليمة لا ترضى بهذا الشذوذ. قال الوليد بن عبد الملك: "لولا أن الله قص خبرهم ما كنت أصدق أن يعلو رجل على رجل)، بل إن الحيوان البهيم لا يمارس هذا العمل القبيح الذي يخالف الفطرة ويصادم الشريعة ويهدد البشرية بالفناء، ولذلك فقد جعلهم الله آية للعالمين وموعظة للمتقين ونكالاً لمن شايعهم من المجرمين فقال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:75].
والسعيد من وعظ بغيره، والشقي هو الذي يجعله الله عبرة لغيره، وقد هدد الله السفهاء في كل زمان ومكان فقال بعد ذكره لخبر قوم لوط وما حل بهم من النكال والعقوبة: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83].
ولم يكن العرب في جاهليتهم يعرفون هذه الخطيئة حتى جاءت الفتوح الإسلامية وجئ لخالد بن الوليد برجل يؤتى كما تؤتى النساء، فأحرقه بالنار بعد أن شاور الصديق والصحابة الأبرار – عليهم من الله الرضوان -.
ولا عجب في ذلك فإن عقاب الله لقوم لوط اشتمل على عدد من العقوبات، ولأجل ذلك اختلف السلف في كيفية عقوبة من يفعل هذه الفاحشة، فمن قائل يحرق بالنار، ومن قائل بقتله، وقال بعضهم: يهدم عليه جدار. وقال ابن عباس: "ينظر إلى أعلى بناء في القرية فيرمى اللوطي منه منكبًا ثم يتبع بالحجارة". وقد أخذ ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
ولا شك أن الشذوذ يزعج أصحاب الفطرة السليمة في كل مكان. عقد مؤتمر في بلد غربي فقال أحد الكبراء من القوم: "لا حلَّ أمامكم إلا أن تأتوا بمدرسين مسلمين؛ لأن دينهم يحرم هذه الفاحشة".
والفضل ما شهدت به الأعداء؛ فهل يدفعنا هذا إلى مزيد من التمسك بديننا حتى نتخلص من كل العلل والأمراض. نرجو ذلك ونتمناه.
ولا شك أننا نعيش عصر العولمة؛ حيث أصبح العالم قرية واحدة، وأضحت وسائل الإعلام تصب الشرور في بيوتنا صبًّا، والشبكة العنكبوتية تتخلل البيوت والدور، وهانحن ندق ناقوس الخطر وندعو الآباء والمعلمين والحكماء والعلماء للعمل على سد الأبواب والنوافذ، والحرص على تحصين شبابنا من هذه الفواحش.
وأرجو أن نبدأ رحلة الوقاية بمعرفة أسباب الشذوذ والتي نلخصها في الآتي:
(1) ضعف التربية الإيمانية وغياب الخوف من الله.
(2) إهمال الآباء والأمهات لأبنائهم والتقصير في تربيتهم وعدم قيام المعلمين بدورهم في التوجيه، وترك بعض المهام التربوية للخدم والسائقين.
(3) التربية على الدلال والترف.
(4) عدم ملاحظة الأسر لأصدقاء أبنائهم، وعدم متابعتهم.
(5) التهاون في علاقات الطفل مع المحارم والأقارب حتى لو كانوا كبارًا.
(6) شراء الملابس الضيقة والفاتنة.
(7) عدم التفريق بين الأطفال في المضاجع، وعدم تربيتهم على ستر العورات.
(8) مشاهدة وسائل الإعلام دون قيود أو ضوابط.
(9) الفراغ ووفرة المال.
(10) الجفاف العاطفي والحرمان.
(11) كثرة المشاكل الزوجية والطلاق.
(12) إطلاق البصر.
(13) السفر إلى الخارج دون ضرورة شرعية واصطحاب الأطفال إلى مواطن الشرور.
(14) ترك الصلاة والبعد عن القرآن وبيئة الإيمان.
(15) خلو القلب من محبة الله تعالى، وعدم مراقبته سبحانه.
(16) وضع مفاتيح السيارات في أيدي الشباب وعدم متابعتهم.
ولا يخفى على عاقل أن لفاحشة اللواط أضرارًا دينية، وقد تؤدي بصاحبها إلى العشق الحرام الموصل إلى الإشراك بالله، وهذه المعصية تجر معها جرائم أخرى، ولها أضرار اجتماعية خطيرة؛ فهي تؤدي إلى قتل روح الجد والاجتهاد، وتورث أصحابها سوء الأخلاق وذهاب الحياء، وتؤدي إلى قطع النسل، وعزوف الشباب عن الزواج، وتورث العداوة والبغضاء، وتقتل روح الغيرة على الأعراض.
أما الأضرار الصحية فقد تكلم عنها الأطباء ومنها: الإصابة بالأمراض الجنسية كالإيدز والزهري والسيلان...إلخ. وتسبب هذه الفاحشة الدسنتاريا والتيفويد. وإذا أدمن عليها الإنسان فإنها تمزق عضلات المستقيم فلا يستطيع أن يتحكم في فضلاته، وقد تسبب له السرطان والعياذ بالله.
ولا عجب فإن هذا هو مكان القاذورات وبيئة الجراثيم، ولا شك أن الطباع السليمة تأبى هذا العمل، ولكن ممارسة هذه الفاحشة تجعل العقول منكوسة والمفاهيم مقلوبة، ولذلك كان طلب أولئك السفهاء بإخراج الصلحاء فقالوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ} ما هي جريمتهم!!؟ {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56].
وسائل الوقاية والعلاج:
إذا كان الأطباء يقولون الوقاية خير من العلاج، فإننا نقول الوقاية هي العلاج، ومن هنا تتجلى عظمة ودقة التعبير القرآني حين نهى عن مجرد الاقتراب فقال سبحانه: {وَلاَ تَقْربُوا الْفَوَاحِشَ} ، وكأنه أراد بذلك سد الأبواب الموصلة إلى الشر، وقد حرمت الشريعة كل ما يوصل إلى الخنا والفجور. وأرجو أن يتحمل كل إنسان مسئوليته، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وليردد كل واحد منا: بئس الرجل أنا إن أوتي المسلمون من قبلي. فإذا قام العلماء بدورهم في التوجيه، وقام رجال الأمن بحراسة الفضيلة، واجتهد المربون في التوجيه والتربية، وعمرنا المساجد بالصلاة وحلق القرآن، وشددنا المراقبة على مجلات بيع الأشرطة، ووضعنا أجهزة الإعلام والاتصال في الصالات المفتوحة وليس في الغرف المغلقة، وشغلنا شبابنا وأنفسنا بالخير، وانصرفنا إلى عمارة الأوطان وتزكية روح الإيمان.. أنقذنا مجتمعنا؛ فإنه لا يسقط في هاوية الشهوات إلا من ضعف إيمانه بالله. فالإيمان للإنسان كالمناعة للأبدان.
أما وسائل العلاج لمن ابتلي بهذه الآفة فنذكر منها ما يلي :
(1) اللجوء إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.
(2) مجاهدة النفس ومخالفة الهوى.
(3) إصلاح البيئة والبحث عن الرفقة الصالحة.
(4) التوبة النصوح وفتح أبواب الأمل للتائبين.
(5) غرس محبة الله في القلوب.
(6) محاسبة النفس، وتعويد الأبناء على مراقبة الله في السر والعلن.
(7) تيسير أمر الزواج.
(8) المواظبة على الصلاة والذكر والتلاوة.
(9) عدم الخروج إلى البر أو السفر إلى الخارج إلا للضرورة ومع رفقة صالحة.
(10) البعد عن مكان المعشوق وتذكر قذارة تلك الفاحشة وسوء عاقبتها في الدنيا والآخرة.
(11) تكثيف الرقابة على الأماكن المشبوهة، مثل دورات المياه بالمدارس، وميادين السباحة وأماكن التفحيط بالسيارات.
(12) تشجيع الشباب على العمل والإنتاج.
(13) ضبط حالات التسرب من مقاعد الدراسة، وإبعاد الطلاب الكبار عن إخوانهم الصغار، وتعاون البيت مع المدرسة.
(14) تحويل شعار السجن إصلاح إلى حقيقة وذلك بتكثيف التوعية الإيمانية وإبعاد المبتلين عن الأصحاء.
(15) تربية الشباب على الوضوح والصراحة ومنحهم الثقة المشوبة بالحذر.
(16) تشديد المتابعة لدورات المياه في المدارس وتنظيفها من الألفاظ البذيئة والصور المخلة بالآداب وقيام المشرفين بدورهم.
(17) البحث عن العلاج عند الأطباء الأمناء بعد انتظار الشفاء ممن يكشف السوء والضراء.
ــــــــــــ
د.أحمد الفرجابي (مجلة الشرطة 32- يناير 2006)