هل تنتهي مشكلتنا مع الغرب بتأمين مصالحه في منطقتنا
الوصف:
عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية عبر القرون لم يكن منطلقها يتوقف عند حدود السيطرة على المواد الخام التي تزخر بها جغرافية العالم الإسلامي (نفط، أخشاب، مطاط، ذهب، نحاس، مايكا، يورانيوم، معادن نفيسة) ولا السيطرة على الممرات والمضائق المائية الإستراتيجية (قناة السويس، باب المندب، مضيق هرمز) وأزعم بأن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية سبق التكالب على النفط وسبق ظهور النفط وسبق انتعاش التجارة الدولية عاملان يساعدان على تفسير الظاهرة العدوانية التاريخية ضد أمتنا الإسلامية التي طبعت سلوك الغرب الأمريكي والأوروبي في تعاطيه للعلاقات مع العالم الإسلامي.
إذًا:
- هذا محور مهم في الموضوع إذ لو كان العدوان الغربي على أمتنا منطلقه النهائي يتوقف عند حدود المصالح المادية للغرب في منطقتنا لكان علينا لزامًا – لوقف العدوان – أن نفكر ونبتكر أساليب عملية لتأمين مصالحه في منطقتنا لرفع العدوان عن أمتنا وإعطائها ومنحها فرصة تاريخية لاستعادة أنفاسها والخطى نحو المستقبل والتنمية الراشدة.
لكن الأمر – في رأينا – ليس كذلك، لا بل نزيد فنقول بأنه حتى لو ضمن الغرب مصالحه المادية في العالم الإسلامي فمشواره معنا لا يتوقف عند هذا الحد.
إذ نرى – من خلال قراءة سريعة لملف العلاقات بيننا والغرب أن الأخير يروم الهيمنة الكاملة والشاملة علينا بما فيها الهيمنة الروحية والدينية مما يتطلب – من جانبه – التوغل في إعادة صياغتها التاريخية وإلغاء نظام "القيم" لدينا ونسخ نظام "المفاهيم" المرتبطة بمقرراتنا العقائدية والشرعية. وإذ كان الأمر كذلك – فهذا يستدعي من جانبنا التمعن في هذا الأمر وابتكار قراءات جديدة للوضع الإقليمي والدولي والتوصل إلى استراتيجيات مضادة تكون مهمتها ضد الهيمنة ومقاومتها والمحافظة على المبادرة الإسلامية في الفعل الدولي.
ونقولها بكل صراحة بأنه على الحركة الإسلامية – بشتى راياتها ومسمياتها – أن تعي بأن الغرب يستهدفها جميعًا: تلك التي تركب مراكب العنف والقوة المادية وتلك التي تلوح ليلاً ونهارًا بأغصان الزيتون، إذ أن المستهدف هو الإسلام: كتابه ورسوله وشريعته ولغته وحركته وتجمعه البشري ومقدراته المادية والأدبية.
إن تتبع ما يحصل في دوائر صناعة القرار الغربي الأمريكي والأوروبي – وبعد 11 سبتمبر خصوصًا – يقودنا إلى هذه القناعة مصداقًا لقوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى ولأنِ اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} البقرة 120.
الغرب السياسي:
لابد أن نلاحظ أن الغرب ذو وجهين: وجه سياسي وهو الظاهر للحضارة الغربية والوجه الآخر فكري يمثل القاعدة العلمية للحضارة الغربية وموقفها الفعلي من الإسلام والمسلمين. والغرب السياسي كان عبر التاريخ ولا يزال في تعامله مع العالم الإسلامي يروم الهيمنة والسيطرة على المقدرات المادية للمسلمين. ونظرًا لأن النظام الدولي الحالي له قلب (
Center ) يمثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وله أطراف (Periphery
) حيث تقع بلاد المسلمين بشتى ألوانهم وعناصرهم ألسنتهم ومواقعهم في جغرافيا العالم فإن القلب يتحكم بالأطراف عبر أربعة أضلاع:
1 – احتكار ثقافة السلاح وتجارته (التقليدي والنووي).
2 – احتكار النفط والخامات الأخرى (بالذات الإستراتيجية).
3 – احتكار الشرعية الدولية (عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن).
4 – احتكار التجارة العالمية والثقافة والإعلام (العولمة).
الغرب الفكري:
- أما الغرب الفكري والذي يتمثل في منهج الخطاب المعرفي الغربي في رؤيته وفهمه للإسلام فهو يرتكز إلى أربعة مفاصل:
1 – الموقف من الوحي.
2 – الموقف من النبوة وشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
3 – الموقف من الإنجازات الحضارية للمسلمين (في ميدان الطب والفلك والرياضيات والجغرافيا وغيره).
4 – الموقف من مسألة تخلف المسلمين الحالي وسببه.
(انظر تفاصيل ذلك في كتاب مفيد للدكتور سمير سليمان موسوم بالإسلام والغرب – بيروت 1995).
سنلاحظ من خلال الاستعراض التاريخي لتأويلات الغرب وتفسيراته لهذه المواضيع الأربعة متمثلة بكتابات الكثير منهم أنهم جميعًا أنكروا الوحي وأنكروا النبوة وتطاولوا إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم وأنكروا دور المسلمين في الإنجازات الحضارية وأكدوا أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام ذاته ومعظم كتاباتهم في حقيقتها اتجهت نحو محاولة تقويض أساس العقيدة الإسلامية المتمثل بالكتاب والسنة الشريفة. وهذا الموقع التاريخي للغرب (سياسيًا وفكريًا) من الصعب شطبه من ذاكرة الأمة الإسلامية ونخبها ومفكريها ولذلك على الغرب مسؤولية أدبية كبيرة إزاء الأمة الإسلامية إذا أراد أن يحافظ على مكانته الأدبية بين المسلمين. ومثلما يطالبنا الغرب بتحسين صورتنا لديه فهو مطالب في ذات الوقت – وربما أكثر منا بتحسين صورته لدينا خاصة ونحن نرقب منذ خمسين عامًا وحتى الآن تأييده المريب إزاء العربدة الإسرائيلية في المنطقة.
ــــــــــ
د.عبدالله النفيسي، بتصرف.