القابض الباسط

الوصف: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على نبيّنا


صورة القسم 1

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

القابض - الباسط جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه:

اقتران الاسمين:

يلزم حين نعرّف بهما أن نجمع بينهما فذكرهما معاً يؤدي إلى معنى تمام القدرة.

معنى القبض لغة: من الأخذ والمنع.

البسط: العطاء والسّعة.

أدلة ثبوت الإسمين لله تعالى:

ورد في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: غلا السِّعر على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، لو سعَّرت، فقال: " إنَّ الله هو الخالقُ القابضُ الباسطُ، الرّازق المُسعِّر، وإنِّي لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني احد بظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال " [الترمذي].

ووردا فعلاً في القرآن الكريم في قوله تعالى: " وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [البقرة:245].

وفي أحاديث كثيرة منها، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل " [مسلم].

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: " يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه.. " الحديث [البخاري].

معنى الإسمين في حقّ الله تعالى:

في قوله تعالى: " وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [البقرة:245] قالوا في تأويلها: يقبض على من قبض وأمسك عن الإنفاق ويبسط على من بسط يده عطاءاً وإنفاقاً.

- قالوا هنا قاعدة في مسألة حب الدنيا والخوف من الفاقة: أنت مع الدنيا ما لم تشهد ربّها فإذا شهدت ربّها كانت الدنيا معك وتأتيك وهي راغمة.

- وأن الله عزّوجلّ إنّما يقبض وبسط على حسب ما يراه سبحانه من المصلحة للعباد.

- فالقاعدة: قالوا: يقبض بالعدل ويبسط بالفضل، ويقبض بالحِكمة ويبسط بالرّحمة، فإذا أعطاك أعطاك ستُعجب وتهلك،فيقبض بالحكمة، ويمنع عنك حتّى إذا أوشكت على اليأس والقنوط أغاثك بالرحمة، يُولج ليل البسط في نهار القبض ويولج نهار البسط في ليل القبض، ويرزق من يشاء بغير حساب.

وقالوا في المعنى: فهو سبحانه القابض الباسط ، يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة، ويقبض الصّدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للفقراء، ويبسط الرزق لمن يشاء حتى لاتبقى فاقة ويقبضه حتى لاتبقى طاقة.

قاعدة: إذا قَبض قبض حتى لا طاقة: وهذا معنى " وظنوا ان لا ملجا منه إلا إليه " فيمنع عن العبد حتى يجمع قلبه عليه، ثم " ينزل الغيث من بعد ما قنطوا " .

وإذا بَسَطَ بَسَطَ حتى لا فاقة: يُعطيك أكثر مما تحتاج ومما تتصوّر، والكلّ منه وإليه.

وقالوا: القابض الباسط: إذا زاده لم يزده سرفاً وإذا نقصه لم ينقصه عدماً او بخلاً.

حظّ المؤمن من هذين الاسمين من اسماء الله الحسنى:

1 - أن يفهم فقه القبض والبسط:

القاعدة تقول: بسطك كي لا تكون مع القبض وقبضك كي لا تكون مع البسط وأخرجك عنهما كي لا تكون لشيئ دونه.

المعنى: أعطاك كي لا تيأس ولا تحزن وحتى لا تستحوذ عليك ظلال المنع فتشعر أن الأبواب مغلقة، هذا يحمل كل معاني الرجاء وحُسن الظّنّ.. وإن مع العسر يسرا.. وهكذا تتعاقب الأمور.

وهنا نفهم المعنى الذي يخفى علينا كثيراً في أوقات نشتكي فيه أننا لا نجد قلوبنا إذ حين يسير الواحد منا في الطريق إلى الله وقدلا يجد الأثر في وقت ما، ونجد الغالب ان هناك قسوة وقبض.. فهنا يجب على العبد أن يفقه معالم الطريق إلى الله عزّ وجلّ، وأن يفهم كيف يعامله ربّه: فإذا أعطاك ستُعجب وإذا منع عنك تماماً ستأيس فلابد من الإثنين، سبحانه الحكيم الخبيرعزّوجلّ.

ونحن لا نتعبّد الله بالأحوال بل نعبّده بالمقام، أي الصلاة التي تُرضي الله هي التي تخرج بعده وانت غاضّاً لبصرك، الصلاة التي تنهاك عن الفحشاء والمنكر أوليست الصلاة التي تبكي فيه قليلا مثل الناس وهذا الحال وبعد ذلك لا أثر لها، وأحياناً تقول: لا أجد نفسي لا في القبض ولا في البسط وهذا هو: وأخرجك عنهما حتى لا تكون لشيئ دونه، فهذا مقام أعلى ان تكون راضي وترضيه سواء أعطاك أو منع عنك.

- مُتعلّق بالذّات، المهم يا رب إن لم يكن بك عليّ سخطٌ فلا أبالي.. هذا المقام، لتكون له يُحرّكك كيف يشاء وأنت مُفوّض الأمر تماماً..

2 - فإذا آمنّا بأن الله هو القابض الباسط :

- يحثّنا على النفقة في سبيل الله ليس بالمال فقط بل تنفق علم،جهد تكون حقاً خادم لله تبارك وتعالى.

3 - الإعتدال:

تتعلم متى تُعطي ومتى تمنع،وهكذا مع أهل بيتك مثلاً فهناك اوقات تبسط وتوسع عليهم وأوقات تقبض قليلاً، والمطلوب الإعتدال بينهما، ويُعطي كل ذي حق حقه.

4 - فقه التعامل مع النفس بالقبض والبسط في العبادات:

كيف تعاملها بالخوف والرجاء، بالترغيب والترهيب، فبعض الناس قد يتعبد الله بالحرمان ويظن أنه كلما حرم نفسه كان لله أطوع، وخير الهدي هدي النّبيّ صلّ الله عليه وسلّم، كان يصوم حتى لا يكاد يُفطر ويُفطر حتى لا يكاد يصوم، وهذا أعظم في العبودية لأنه فقه القبض والبسط.،فقه التعامل مع النفس، وليس عبودية الهوى.

- ومن كلام الإمام ابن القيّم رحمه الله عن منزلة البسط والتخلّي عن القبض – في كتاب المدارج:.. والإنبساط مع الحقّ سبحانه: أن لايحبسك خوف ولا يحجبك رجاء ولا يحول بينك وبينه آدم ولا حوّاء، فالمعنى انك تراه أقرب إليك من أمّك وأبيك وأرحم عليك منهما..

فالمُحب الصادق لابد أن يقارنه أحياناً فرح بمحبوبه – هذه هو الإنبساط،السرور بالله - ويشتد فرحه به ويرى مواقع لُطفه به وبرّه به وإحسانه إليه وحُسن دفاعه عنه والتّلطّف في إيصال المنافع له والمسّار.. بكل طريق ودفع المضار والمكاره عنه بكل طريق وكلما فتّش عن ذلك اطّلع منه على أمور عجيبة..

نختم بماكان عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يكن مُنبسط ولا متدلل ولا قابضاً طوال الوقت بل كان أشد الناس لله خشية وتعظيما وإجلالاً في كمال عبوديته وفي نفس الوقت كان أعظم الناس حبّاً ورجاء فيه سبحانه وتعالى،

فبينهما ندندن بين السرور والفرح والرجاء وفي نفس الوقت يكون منه على وجل لأن الله يقبض ويبسط.