من آداب الصباح والمساء
الوصف: الأول: أن يستحضر أن الله سبحانه وتعالى يستعتبه، ويمد في
الأول: أن يستحضر أن الله سبحانه وتعالى يستعتبه، ويمد في أجله عسى أن يتوب إليه، ويقبل عليه، ولهذا المعنى كان صلى الله عليه وسلم، إذا اسيقظ من نومه حمد الله على أن (رَدَّ عليه رُوحه، وعافاه في جسده، وأَذِن له بذكره)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس أحدٌ أفضلَ عند الله من مؤمنٍ يُعَمَّر في الإِسلام، لتسبيحه، وتكبيره، وتهليله "
وقال ابن مسعود رضي الله عنه لجاريته حين أخبرته بطلوع الشمس:
" الحمد لله الذي وَهَبَ لنا هذا اليوم، وأقالنا فيه عثراتنا، ولم يعذبنا بالنار "
الثاني: أن يلزم الاستغفار، ويجدد التوبة من جميع الذنوب بالكف عنها، والندم عليها، والعزم الأكيد على عدم معاودتها، وأداء الحقوق إلى أصحابها.
قال رجل لحاتم الأصم: (ما تشتهي؟ قال: (أشتهي عافية يوم إلى الليل " قال له: (أليست الأيام كلها عافية قال: (إن عافية يومي أن لا أعصي الله فيه.
الثالث: أن يكون من أصحاب هَمِّ الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (من كانت همَّه الآخرةُ، جمع له شملَه، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمةً، ومن كانت همَّه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كَتَبَ الله له).
وذلك يقتضي أن يجتهد في تعمير وقته، وشغل قلبه بكل ما يرضي الله من صالح الأعمال.
الرابع: أن يعزم على كف شره عن الناس، ويطهر قلبه من الغل لأَيٍّ من المسلمين، قال الصحابي _ الذي بشره النبي صلى الله عليه وسلم، بأنه من أهل الجنة _ لعبد الله ابن عمرو لما أقام معه ثلاثاً كي يرقب عبادته، فاستقلها، وسأله عما يكون قد بلغ به هذه المنزلة، فقال رضي الله عنه:
" ما هو إلا ما رأيتَ، غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غِشًّا، ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه "
قال عبد الله: فقلت له: (هي التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق).
الخامس: أن يستحضر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفِّر اللسان، تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمتَ استقمنا، وإن اعوججتَ اعوججنا)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أكثر خطايا ابن آدم لسانه).
السادس: أن يمكث في مصلاه بعد صلاة الصبح يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين، وأن يمكث كذلك بعد صلاة العصر، فإنه من أشرف أوقات الذكر.
السابع: أن يجتهد في الجمع في يوم واحد بين صوم تطوع، وعيادة مريض، وتشيع جنازة، وإطعام مسكين، فقد قال صلى الله عليه وسلم " ما اجتمعت هذه الخِصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة ".
الثامن: أن يستحضر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنًا في سِرْبِه مُعافًي في جسده، عنده قوتُ يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذفيراها).
التاسع: أن يبادر بكتابة وصيته بشيء من ماله: ثُلُثٍ أو أقل، إذا كان له مال كثير وورثته أغنياء، فيوصي به أقربائه من غير الوارثين، أو لجهة من جهات الخير.
وإذا كان عليه دين، أو عنده وديعة، أو عليه حقوق يخشى أن تضيع على أصحابها بموته يجب عليه أن يوصي بذلك حتى لا يؤاخذه الله بها، وكذا له أن يوصي بالعهد إلى من ينظر في شأن أولاده الصغار إلى بلوغهم.
العاشر: أن يستحضر أن هذا اليوم أو هذه الليلة قد يكون آخر عهده بالحياة، لقوله تعالى: {وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} (185) سورة الأعراف، وقد رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أكثروا ذِكْرَ هادِمِ اللذات الموت، فإنه لم يذكره أحدٌ في ضِيق من العيش إلا وسَّعه عليه، ولا ذكره في سَعَةٍ إلا ضَيَّقَها عليه "
وقال صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت، فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مَجْزِيٌ به) الحديث.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعُدَّ نفسك في أصحاب القبور " )، وكان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك.
نموتُ ونحيا كلَّ يوم وليلة ولا بد من يوم نموتُ ولا نحيا
وسُئل بعض الصالحين: كيف أصبحت؟ فقال: " أصبحت وبنا من نعم الله ما لا يُحصى، مع كثير ما يُعْصَى، فلا ندري على ما نشكر:
على جميل ما نَشَر، أو على قبيح ما ستَر ".
وقال آخر: " أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أعظم: ذنوب سترها الله عليَّ، فلا يقدر أن يُعَيِّرَني بها أحد، ومحبة قذفها الله في قلوب الخلق، لا يبلغها عملي ".
وقال ثالث: " أصبحنا أضيافاً منحين بأرض غربة ننتظر متى نُدعى فنجيب؟ ".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
من كلام الشيخ العلامه / محمد بن اسماعيل المقدم
**